حين تعرّش الأسئلة كل ليلة على وجهك مثل مسودة لمخطوط لا يكتمل، جسورة على الوقت والحلم الذي يزاحمها، فلا يتكاثر سوى محاولات باهتة للنسيان، لوطء الطريق نحو جلجلة تنحتها بنفسك، بنية الاغتسال من ذاكرة عصية وماض بليد. ما الذي يبقى حقًّا بعدما تلقي بأحمالك من «الآمال الشاقة» والسنوات المضنية والمسام المسدودة بالآثام؟ ما الذي يبقى منك أو لك؟
يتاح لك الفرار مثل عنز مرحة نحو ضفة كنت تراها دومًا أشد خضرة، فيزداد تعلقك بقشك الذي يزدريك مثل فزاعة رثة، لا تحسن الطيران، ولا حتى الجري. يغريك العجز بمزيد من التثاقل نحو الأرض والاضطجاع على فراش من المسامير، لست حاويًا لتنقذ نفسك منه، لكنك في لحظة نزفك الأخيرة تؤول إلى غبار فتنجو بالمصادفة!
تعلب نفسك بكثير من العبث، فتدرأ جفافك ببذر حبات فول تعدك بالتسلق نحو مملكة أخرى، لا ترى فيها سوى وقع أقدامك، ولا تستنشق سوى صلصلة قطعك الذهبية الموهومة التي تقايضها بمزيد من الأحلام وحبات الفول لتملأ الأرض جذوعًا، تحلق بك عوض البساط السحري الذي قرضته الفئران التي عثرت عليه في خزانتك، إلى جانب خفيك وقبعتك ذات الريشة الواحدة المكسورة الساق، وقد نسيت أن تضع معها شيئًا من كرات «النفتالين» ومسحوقًا لطرد النمل اللحوح الذي يحمل ذرات حاجز الملح، ويمسح بأقدامه الكثيرة (دون أحذية) خط الطباشير الأبيض، لاغيًا الحدود بين عالمك وصلاحياته في العبور دون إبراز بطاقة!
تحرس بابك الموارب على الغبطة على بعد فراسخ، وتجفف عرق تفاحتك الذي يسمونه خطأ نتحًا. تربت عليها حين تراقبك مذعورة مما قد يحدث تاليًا، ولا تفلح يدك المرتعشة بأثر انخفاض السكر بطمأنتها، ثم لا تجد خيارًا سوى التدحرج على كفك مثل هامستر، ولا يزيدك ذلك إلا تشبثًا بها وبجوعك! تربت عليها مرة ثانية، وتبدأ بسرد حكاية تحدي الشمس والريح؛ لتنقل لها شعورًا بالأمان، لم تعرفه منذ وقت طويل.
في شهقاتك الأخيرة تحضن تفاحتك الخضراء مثل حيوان أليف، تمسد لها قشرتها، وتلمعها بكثير من الشمع؛ لتكون براقة كعين نقار الخشب، الذي يتأهب لردم سوءتك حين تمضي!
- بثينة الإبراهيم