تخلص من برتقالتك ">
يُقال: إنّ اصطياد القردة في إندونيسيا يتم عن طريق وضع برتقالة داخل يقطينة كبيرة؛ فيُدخل القرد يده؛ ليحصل على البرتقالة، لكنه يعجز عن أن يُخرج يده. وبما أنّه لا يريد إفلات البرتقالة يبقى عالقًا في مكانه حتى يتم القبض عليه بسبب إصراره على عدم إفلاتها.
تُشبّه (روزيت) و(باربرا)، مؤلفتا كتاب (تمارين صغيرة لتتخلص مما يعيق تقدمك) هذه الحكاية بما يحدث لنا عندما تحاصرنا معوقات الحياة، وتسألان في كتابهما: كيف يمكنك أن تتخلص من برتقالتك؟ تعنيان بذلك كيف تتخلص مما يعيق تقدمك؟
العوائق قبيلة لو شئنا أن نسردها! لكن بعضنا يقفز عليها دون أن يعطيها حجمًا، والبعض الآخر يتفنن في منحها اسمًا، وشكلاً، ولونًا؛ ليصنع من هذا الكم قصة تستحق الاستعطاف.
هؤلاء الشكَّاؤون يشبهون أولئك المنهزمين تمامًا الذين لا يتوقعون أنهم بالإرادة يمكنهم تغيير مجرى النتيجة في اللحظات الأخيرة، ويرون ذلك ضربًا من محال.
ولعلني أذكر هنا قصة حدثت منذ سنوات لطالبة في التطبيق الميداني، محكوم عليها بالرسوب سلفًا من المشرفة الأولى، بينما خرجت أنا كمشرفة ممتحنة قبل نهاية التربية الميدانية بثلاثة أسابيع فقط.
حضرتُ لها، وكانت تمتلك شخصية قوية، وطريفة، لكن مادتها العلمية عليها علامات استفهام كثيرة، تجعلني أثق بأنها ليست ضعيفة أصلاً، وإنما هو عارض له أسبابه، فمعالجة معاني المفردات الغامضة حكاية الحكايات عندها.
في استراحة النقد، عندما جاء دورها ابتسمت بحزن، وقالت: «أدري راسبة».
- لماذا حكمتِ؟
- المشرفة الأولى أخبرتني بذلك.
- ما هي الصعوبات التي تواجهك، وتسببت في ظهور درسك بهذا الشكل؟ كانت المادة يومها (مطالعة) قالت إنها جاءت من قرية بسبب نقل عمل والدها، وإنها لم يسبق لها أن تعاملت مع المعاجم، وهذه مشكلتها الوحيدة!
- ألم تشرحي شيئًا غير المطالعة؟
- أتمنى! ولكن جدول المدرسة لا يسمح.
- لماذا لا يسمح؟
- أجبرتني المديرة على أن آخذ جدول معلمة في إجازة أمومة، وهذه المعلمة لا تعطي جميع الفصول إلا هذه المادة!
- ألم تحاول المشرفة مساعدتك؟
- بلى، ولكن مديرة المدرسة كانت غاضبة، ورفضت النقاش!
لحسن الحظ كنا يومها في مكتبة المدرسة؛ لقلة المكاتب التي يتاح للمشرفات فيها إعطاء التغذية الراجعة لطالبات التطبيق، وكانت تلك المكتبة عامرة.
قالت إنها لا تمتلك مكتبة؛ لتعود لها (هذا قبل أن يدخل نعيم الإنترنت كلّ البيوت 2003). سألتها:
- ألستِ الآن في المتصل* في التربية الميدانية تحضرين إلى المدرسة كل يوم؟
- بلى!
- لماذا لا تُحضّرين درسك هنا، وتستعينين بالمكتبة؟
- لم أفكر!
- فكري! فالأمر يستحق!
- العام المقبل!!
- ولماذا العام المقبل؟!!
- لأن الفصل أوشك على الانتهاء، ومشرفتي أخبرتني بأنني لن أنجح.
- رضيتِ بالنتيجة؟
- .....
- ما زال في الوقت متسع!
- أسبوعان لا يكفيان!
كنتُ كُلّما فتحتُ لها بابًا على الأمل أقفلته بانهزامية، واضعة نصب عينها أنها:
1 - لن تدرس غير المطالعة؛ لأن المديرة أجبرتها.
2 - لا تعرف كيف تتعامل مع المعاجم.
3 - مشرفتها بشَّرتها بالرسوب!
أخبرتُها بأنني أحمل درجة المشرفة الثانية نفسها، فقط تبذل معي جهدًا، وسنفكر سويًّا في معالجة نقاط الضعف، وأولها التعامل مع المعاجم.
درَّبتها في مكتبة المدرسة على التعامل مع معجم (لسان العرب)، وكانت نبيهة جدًا عكس الفكرة التي كونتها عنها. حضرتُ لها مرات إضافية عدة، وكانت تتحسن بشكل مذهل.
في آخر أسبوع جاءت المشرفة الأولى؛ لتعوض عن غياب لها في (المنفصل)* وحضرت للطالبة، وكنتُ قد أخبرتُ الطالبة بأنني سأحضر لها، فجاءت المشرفة، وقدمت الحصة فقبلت الطالبة أن تعطي حصتين متتاليتين حتى لا تخسر تقييمي لها.
التقيت مع المشرفة الأولى عند باب الفصل.. هي خارجة وأنا أهم بالدخول.
سألتني المشرفة: ماذا فعلت بها؟ هذه ليست الطالبة التي أعرف. فأخبرتها بما حدث.
نجحت عائشة!
نعم، نجحتْ عائشة التي أوشكت أن تكون ضحية لبرتقالتها.
عائشة كانت تظن بأنّ مشكلة التعامل مع المعجم كبيرة جدًا، لا يمكنها تخطيها؛ لذا رضيت بحكم المشرفة الأولى، وسلمت للحكم بانهزامية. تلك كانت برتقالتها، لكنها عندما تخلصت من برتقالتها رحّبت بكل جديد؛ فغيرت مجرى النتيجة.
** ** **
* المنفصل في التطبيق الميداني يوم واحد من كل أسبوع تحضر فيه الطالبة للمدرسة. والمتصل: ثلاثة أسابيع الحضور فيها للمدرسة يوميًا.
- د. زكية بنت محمد العتيبي
Zakyah11@gmail.com