ما الذي أنتجه دعاة الحداثة في السعودية؟!
إن ما أنتجوه هو حكاية وقصة انبنت على الصراع الذي هيّجه التفكير الثنائي (حداثي - سلفي)؛ فهي بحق (حكاية الحداثة) لا فلسفة الحداثة؛ وهنا يظهر الألم الفكري الذي يختزل عمرًا مديدًا من التفلسف الحداثي عند الغرب بالحكاية؛ واقتصرت الحكاية على تبادل التهم والشتيمة؛ تهمة الرجعية وتهمة الحداثة؛ والتخوين للحاضر - الرجعي؛ والآخر يخوّن للماضي - التغريبي؛ تهمتان تقابلهما فكرتان (الرجعي بسبب اهتمامه بالتراث - والتغريبي بسبب اهتمامه بالحاضر والمستقبل).
يولّد (هيجل) الأفكار من بعضها حينما يرى بأن الفكرة تولد نقيضها والنقيض يولّد فكرةً جديدةً تحمل نقيضها معها؛ بهذه الديالكتيكية يؤسس هيجل للأفكار ويظهر لنا عبقريتها من خلال توالدها وليس تصارعها في ذاتها؛ وهذه الجدلية الولودة لم نرها في ثنائية الحداثي - الرجعي؛ فها نحن بعد أكثر من ثلاثين عاماً نراوح بين الثنائيتين ونلوك كلا الفكرتين بتقنيات جديدة (تويتر - فيس بوك)؛ وغابت الفلسفة أو غاب التفلسف عن هاتين الثنائيتين مما ولّد الحشود لكلا الطرفين (بالأندية الأدبية والصحف والمحاضرات والخطابة قديمًا؛ وبالهاشتاق حديثًا)؛ والتقنية هي التي فرضت ذاتها على كلا الطرفين وليس لهما فيها أي فضل وابتكار.
المثقف الذي لا يناقش ثلاثية السلطة (السياسي - الدين - الفلسفة) فهو يكرر ذاته ويثير الصراعات فحسب؛ وهذا الغياب الثلاثي عن الخطاب الحداثي في السعودية على مر العقود الماضية ينبئ عن نقص وتذبذب فكري لدى المثقف الحداثي في السعودية؛ فالالتحاق بالحداثة إنما كان من باب ولوج قنطرة المثقفين التي تقودهم إلى الزعامة والفتوّة الثقافية وليس من باب الهم الفلسفي والتفلسف الذي يناقش ويناقض كل ما هو مفكر فيه؛ بدءًا بالدين وانتهاءً بالذات الإنسانية؛ فلا يوجد أي مشروع أو كتاب تنظيري يناقش قضايا الدين ويتعاطى مع النص المقدس مباشرةً دون وسيط (سلفي) كما كان عند بعض المفكرين العرب كأركون ونصر أبو زيد وغيرهم؛ كما أنه تغيب مصطلحات الفلسفة والتفكير الفلسفي لدى الخطاب الحداثي في السعودية مما أحالهم إلى اضطراب منهجي فكري فلسفي في مناقضة ومخالفة التفكير السلفي النصي الرائج بينهم؛ لا سيما وأن عددًا ممن اشتهروا بالخطاب الحداثي في السعودية هم ممن اتصل بمناهج النقد التي تتعاطى مع النص الديني مباشرةً؛ فغلب عليهم النقد الأدبي واستطاع أن يحصر نتاجهم التأليفي في النقد الأدبي بعيدًا عن مناقشة النص الأصل أو السرديات الكبرى (بحسب فلسفة ما بعد الحداثة)؛ وإذا كان الخلاف بين هاتين الثنائيتين حول النص الديني وفهمه ولم نجد أي كتاب يناقش النص الديني لدى الخطاب الحداثي فهذا مسلك ظاهر على تخلخل هذا الخطاب وانغماسه في مصطلحات عامة جدًا كمصطلح (ديننا دين سماحة) و (الإسلام دين رحمة) مما يتكرر على ألسنة الخطاب الحداثي.
- صالح بن سالم