التحرر من السقف ">
من خلال قراءتي لعدد من الروايات السعودية الجديدة وخاصة ما صدر منها خلال السنوات الخمس الأخيرة خلصت إلى نتيجة تؤكد على أن هناك لغة روائية جدية تنحت في صخر الكتابة لتمحو كل التوقعات السابقة التي أساءت إلى سمعة الروائيين السعوديين من جيل الشباب، وممن ساهم في ترسيخ تلك السمعة بعض النقاد السعوديين أنفسهم الذين هاجموا النبرة الروائية الجديدة، مدعين أن مضامينها ليست إلا توصيفا للعلاقات الشاذة من جنس وشذوذ ومثلية ممجوجة وما إلى ذلك من عقد.
من وجهة نظري فوجود مثل تلك الموضوعات في الرواية أمر مطلوب إذا ما وظفت توظيفاً فنيا صحيحا، وإذا ما أدركنا أن الرواية ما هي إلا نقل فطري لبعض الواقع.
وواقع الأمر ليست الرواية السعودية الجديدة منقادة إلى منحى بعينه، فهناك تنوع واضح وحقيقي، وإن قسنا المرحلة بروايات ما بعد 2010 فسنلحظ تشكلا روائيا جديدا يتنصل من الطابع التقليدي للرواية السعودية المألوفة لينحو منحى تجديديا ينتقد كثيرا من القيم السائدة للرواية بكلاسيكيتها المعهودة.
ولم يتخذ النقد السعودي بشكل عام موقفا إيجابيا من الأصوات الروائية الجديدة (ولا أتفق إطلاقا مع الدكتور سحمي الهاجري الذي أعلن موت الرواية العربية السعودية بعد سنة 2006م، وأن كل الروايات التي ستأتي بعد تلك الفترة هي مجرد تكرار واجترار للنصوص الروائية السابقة، في حين أن سنة التطور في مجال الأدب بصفة عامة والرواية بصفة خاصة قائمة على التحول والتجاوز، وإحداث القطيعة مع الثابت الفني والجمالي السائد. يقول الدكتور سحمي الهاجري في كتابه:” جدلية المتن والتشكيل:” وهذه الإشارة، توضح أن الطفرة الروائية المحلية انتهت بنهاية عام 2006م، لأنه لا يوجد طفرة تستمر إلى مالا نهاية. وبالتالي، فإن الروايات التي نشرت بعد هذا التاريخ إما مجرد تقليد وتكرار واجترار لنماذج الطفرة، وهي الأكثرية، وإما تجاوزا لروايات مرحلة الطفرة في نماذج أخرى قليلة حتى الآن «.
ولست مع الانتقاد الموجه إلى حركة جيل الرواية الحالي من ناحية انشغاله بإبراز خصوصيته وتوصيفها الدقيق في سرده الإبداعي ولست مع من أخذ عليه محاولته المستميتة في تجسيد ذاته وترسيخ هويته .
غاب النقد السعودي الشاب عن الزخم الروائي الجديد ربما كان ذلك لأنه نقد لم يعتد على المغامرة في كشف مرحلة بكر متجردة من تصورات مراحلها السابقة تحتاج إلى تفهم نقدي يستوعبها بتجرد.
وتحتاج الحركة الروائية الجديدة إلى الثقة بمعطياتها ولابد للنقد الثقافي من الخلاص من ترسبات الظن بسخافة وضحالة الفكر الجديد تحتاج الرواية السعودية الجديدة إلى انطباعات نقادها الثقافيين الشباب عن ما أحدثوه من تحولات في سياق الرواية فهم الأشد استيعابا لحركة جيلهم وأقرب معايشة لعوامل انقلابهم على السائد المكتوب روائيا و لابد للنقاد من رصد ماطرأ من تحول لمظاهر الشكل الروائي وإجراء البحوث والدراسات عنها وتوثيق النماذج الروائية الجديدة وتتبع خصائصها.
وأشد ما يجرحني بحق أن تلوذ تلك الروايات بذاتها الإلكترونية بمنأى عن واقع النقد السعودي الذي استهجنها وتبرأ منها بناء على أفكار نقدية ذات منظور تقليدي بحت ينحاز إلى مزاجيته الشخصية وأفكاره النمطية.
من هنا أنادي بنقد سعودي شاب ينصف الحركة الروائية السعودية الجديدة ويعيد إليها كرامتها المستباحة.
- هدى الدغفق