بثينة عبدالله الوهيبي ">
يتحتم على منظمات اليوم مواجهة التطور المعرفي المستمر والمتسارع في العالم من حولنا ومواكبته والتعايش معه. وبما أن العاملين هم الدعامة الأساسية التي ترتكز عليها المنظمات، وهم القوة الحقيقية المحركة للتنمية ومنبع الفكر والتطور، كان لابد من رعايتهم فكريًا وإثرائهم معرفيًا وتزويدهم بسلاح يمكّنهم من إدراك الواقع والانسجام معه ومواجهة المستقبل لتوظيف مهاراتهم بفاعلية عالية وتطوير أدائهم، ومن ثم تحسين أداء المنظمة وإزالة العقبات التي تقف في وجه التنمية والتطور.
إن العالم يعيش انفجارًا معرفيًا متطورًا باستمرار بشكل لا تستوعبه نظم التعلم وطرقها - في عالمنا العربي خاصة - وعلى الرغم من أن التعلم كان دائمًا جزءًا من تجربة الحياة الإنسانية، إلا أنه من الضروري جدًا وجود منبر تعليمي يسهم في تطوير القدرات والأفكار بعيدًا عن التخصص الدراسي أو المنصب الوظيفي، وبالأخص تلك المواضيع التي - إن طُرحت - يتم ذلك بشكل سطحي بعيد عن العمق في المؤسسات التعليمية النظامية العربية. ومن هنا يبرز دور التكنولوجيا في توفير العلم لمن يريد وأينما يريد، من خلال المنصات الإلكترونية للمساقات الجماعية مفتوحة المصادر أو ما يعرف بـ (MOOC) وهي أحد أنماط التعلم الذاتي؛ عبارة عن مقررات تعليمية افتراضية يشرف عليها جامعات ومؤسسات عالمية معتمدة، مع إمكانية الحصول على شهادات إتمام المقررات. تطبق هذه المنصات العديد من النماذج الاجتماعية للتعلم، كنموذج التعلم الاجتماعي الموجّه عن طريق تعزيز فهم المحتوى المقدم من قبل الخبير، أو نموذج التعلم الاجتماعي المخطط له من خلال دعم التعلم بدلاً من التحكم به. فالتعليم حق للجميع، ليس حكرًا على أحد بل متاح لأي فرد مهما كان جنسه أو لونه أو وضعه المادي.
ومما قد يشكل عائقًا لدى المنظمات العربية من الاستفادة من هذه المنصات التعليمية؛ مشكلة اللغة! حيث إن معظم هذه المواقع تكون باللغة الإنجليزية، إلا أن منصات التعليم المفتوح العربية بدأت في الظهور أخيرًا، وهي في طريقها للنمو والتنوع والتطور، مساهمة بإثراء المحتوى العربي على الإنترنت ونشر ثقافة التعلم الذاتي في المجتمعات العربية. من أبرز هذه المنصات: أكاديمية رواق، منصة نفهم التي تقدم فيديوهات تشرح المناهج المدرسية في كل من: مصر، السعودية، الكويت، سوريا والجزائر بشكل مبسط ومجاني، بالإضافة إلى منصة إدراك للتعليم المفتوح التي «تؤمن بأنها ستمكن العالم العربي من تعريف الجمهور العالمي بتطورات المنطقة، ليتمكن العالم العربي من رواية قصته بنفسه» وغيرها الكثير. والمذهل في ذلك أن هذه المقررات متاحة للالتحاق بها من دون منح دراسية وبلا متطلبات سوى جهاز حاسوب مرتبط بشبكة الإنترنت، بالإضافة إلى حب الاستطلاع والرغبة في التعلم! وبالتالي يمكن للمتعلمين العرب الالتحاق بدروس مقدمة من صفوة الجامعات والمعاهد العالمية مثل هارفرد ومعهد ماساشوستس وغيرها، إضافة إلى دروس يقدمها أكاديميون متميزون من مختلف أنحاء العالم العربي، حينها يتعلم الفرد مدفوعًا برغبة داخلية لتنمية قدراته وإمكاناته مستجيبًا لميوله واهتماماته ليحقق أهدافه الفردية وأهداف المنظمة.
هذه المنصات تحقق التفاعل الناجح بين الفرد ومجتمعه من ناحية وبينه والمجتمعات المختلفة من ناحية أخرى، وتفتح مجالاً واسعًا للنقاش وتبادل الخبرات والمعلومات، حيث ينتسب لها عدد هائل جدًا ومتنوع من المتعلمين من النادر أن تلتقي بهم في مؤسسة تعليمية تقليدية أو في منظمة ما، فكيف بأن تناقشهم وتتحاور معهم وتتبادل معهم الخبرات والتجارب.. ولأن الإنسان بطبيعته يحب الحياة والانخراط والتعامل مع الآخرين، فهو يدفع نفسه للقيام بتجارب جديدة للخروج عن روتينه وإثراء تجربته. إن فكرة مشاركة المعارف بين مختلف الأشخاص من مختلف المنظمات والبيئات لهي فرصة عظيمة للتطور والنماء، تسهم في تكوين بيئة خصبة للإبداع وبناء ثورة بشرية محركة للتنمية قادرة على تحقيق أهداف الفرد أولاً ثم المنظمة التي ينتمي إليها ثانيًا، وبالتالي بناء مجتمع دائم التعلم متجدد ذاتيًا في أقصى درجة من الكفاءة والفعالية.