خلود الشايع ">
ثمة خيط رفيع يفصل بين القيادة والإدارة، وإن كانا على درجة كبرى من الأهمية: معنى ومضمونًا، شكلاً وموضوعًا، نظريةً وممارسةً؛ لتأثيراتهما بما تحملانه من مسؤوليات جسام في شتى المستويات والفئات؛ ينجح في أدوارهما المتميزون في التواصل مع موظفيهم: رعايةً وقيادةً وإدارة، وتدبيرًا، وحسن أداء.
هذا الخيط الرفيع يجعل لكل منهما معنى خاصاً به ، وبتعبير أدق كالتوأم المتلاصق الذي لا يستغني أحدهما عن الآخر؛ وإن امتزجا معًا فبهما ونعم.. وهذا هو المراد من ربّ العباد..! وإذا ما كانت الإدارة، تتمثَّل في اتخاذ القرارات لتوجيه الموارد البشرية؛ لتحقيق الأهداف المنشودة على الوجهة الصحيحة، بأقل كُلفة في إطار بيئة العمل المناسبة ودعم الظروف المحيطة؛ فإن نجاح رؤية هذه المنظَّمة أو رسالتها، من عدمه يتوقف على أداء المدير الكفء/ القائد البصير؛ لترجمة ذلك كله على أرض الواقع..!
إنه ذلك القائد الناجح، صاحب الذكاء العاطفي، الملهم لموظفيه والآخرين، بتعامله، المتسق مع أهدافه وطموحاته؛ ووضعه جلّ همّه واهتمامه، توفير بيئة صالحة للإبداع، ويتواصل مع مَنْ حوله، باعتبارهم (شركاء)، لا (منافسين)؛ يسعى بكل جدِّ وتشجيعهم ونقل تجاربه وخبراته لهم؛ وحفزهم باستمرار على الإجادة؛ وترك مساحة واسعة للإبداع..؛ ويعي أن نجاح فريق عمله دائمًا، يتوقَّف على أداء كل شخص فيه لمهامه المناطة به بشكل جيّد، دونما خطفه لنفسه..! ويبذل قصارى جهده، دونما فقدهم دافع العمل، وحافز الإجادة؛ وبذل أقصى ما يحوزونهم للقيام بأعمالهم بالشكل المنشود، ثم يقوِّمهم من خلال النتائج الملموسة التي ينجزونها.
إن بيئة العمل في معظم الدوائر الحكومية وقطاع الأعمال, ما زالت تئن وتعاني من كمّ المشكلات المتراكمة التي تؤثِّر تاليًا على إنتاجية المؤسَّسة أو الهيئة أو الوزارة أو الشركة؛ ما يهدر الطاقات البشرية؛ ويستنزف مواردنا المادية..؛ ويحق لي أن أتساءل بتجرُّد وشفافية عامة:
) تُرى كم مديرًا لدينا، يعمل بروح الفريق والمسؤولية، وينتهج اللامركزية في إدارة السلطات وتوزيع المسؤوليات، والصلاحيات دون الانفراد باتخاذ القرارات؛ ودون النظر إلى موظفيه بدونية باعتبارهم الأقل علمًا وخبرةً، تمهيدًا لعدم الأخذ بآرائهم واقتراحاتهم..؟!
) ترى كم مديرًا لدينا اطلع على كتاب الإداري الفذ الراحل غازي القصيبي، وحياته في الإدارة ووعى إحدى درره هذه: افتح المجال أمام الآخرين وسوف يذهلك ما تراه من منجزاتهم؟. وهل يعي مثل هؤلاء المثل الإداري الناجح: «لست ناجحًا إن استحوذت على كل شيء وأصبحت طاولات موظفيك فارغة»..!
) تُرى كم تعاني دوائرنا الحكومية ومنظماتنا المجتمعية من مدير، أخفق في غرس الولاء في نفوس موظفيه وبثَّ بأفعاله المرتجلة، كراهيةً البعض له التي وصلت حتى امتناعه المرور بجانب مكتبه..! أو الصعود حتى إلى الطابق المتوافر فيه، ناهيكم عن ترك موظفيه حطام بشر، غير منتج، لا يسعون إلى تطوير ذواتهم؛ ولا يلبون بالتالي الحد الأدنى من الإنتاجية المطلوبة..؟!!
) تُرى كم مديرًا لدينا ينتهج سياسة الباب المفتوح؛ ولا يعيش في برج عاجي، دونما تنازل قط عن رأي أو توجيه أو إرشاد لمصلحة العمل، بل لا يسمح لنفسه بالاختلاط بموظفيه؛ بدعوى فقد الهيبة المصطنعة بينهم، بعدما أحاط نفسه بسياج من السكرتارية وأهل الثقة، الذين يحولون دون الوصول إليه؟!.
) تُرى كم يتوافر لدينا من مديرين يحسنون التحكم في تصرفاتهم وردود أفعالهم؛ فلا يستشيط غضبًا من زلات موظفيه، دونما التماس الأعذار؛ فيساوى ميزانه بين الجميع.. أنتج أم لم ينتج؟! ثم يتساءل البعض: لماذا تزخر صدور بعض الموظفين بكمِّ هذه المشاعر حيال هذا النموذج الإداري..!
) ترى كم مديرًا لدينا، يسعى لتطوير ذاته ويسعى لصقل قدراته؛ جنبًا إلى جنب رعاية موظفيه، واحتضانهم دون خشية من موظفيه الساعين للتطوير والإبداع؟.
) كم مديرًا تقليديًا لدينا حاول إحباط موظفيه المتطورين والساعين إلى التغيير إلى الأفضل؟ وكم مديرًا أحبط موظفيه، وأشعرهم دائمًا برسائله السلبية، أبرزها: أن توجهه وحماسه حتمًا يتسببان في مشكلات ضد مصلحة العمل؟!.
) تُرى كم مديرًا لدينا يحوز فضيلة الاعتراف بالخطأ؛ غير مُبتلى بمتلازمة التبرير، بعد كل تقصير أو إخفاق أو فشل؛ قادر على تحمُّل المسؤولية؛ دون رمي موظفيه بكل جريرة نيابةً عن أخطائه وزلاته.. وسوء تصرفه؟!.
) ترى كم مديرًا لدينا، لديه ذكاء عاطفي؛ يضع المشاعر الإنسانية نصب عينيه، ويستثمره في التعامل والتواصل مع موظفيه بوصفهم مشاعر لا آلات ولا أدوات؟ ومتى يدرك هؤلاء أن العنصر البشري يأتي أولاً ثم تحقيق المكاسب تاليًا؟!.
) ترى كم مديرًا ناجحًا يتوافر لدينا، يعمل وينجز تحت ضغط، ويعدُّ عمله رسالة مهنية؛ ومتعة عملية؟.
) كم مديرًا (قائدًا ناجحًا)، يتوافر لدينا يحوز شخصية قوية بعطف؛ ودودة بحزم؛ جاذبة بحسم، ذي قدرة على الإقناع وإدارة الحوار والتوافق، حريص على ترتيب الأفكار؛ وتوضيح التحليل، يتحلَّى باللباقة والكيّاسة، والصبر ويحوز القدرة على فضيلة التواضع؛ وحسن الإنصات؟!.
وإشارة إلى توجه قيادتنا الحكيمة، حفظهم الله، نحو الدفع بمنظومة التحول الوطني المتكاملة؛ من أجل توفير بيئة محفزِّة للعمل؛ فإنني كلي أمل أن يكون أبرز مرتكزات هذه المنظومة، ومن أولى أولوياتها الفكرية، توفير برامج إدارية بأعلى مستوى لتأهيل المديرين الجدد لوظائفهم الجديدة؛ والتدريب دوريًا لمن هم على رأس العمل تباعًا على مهارات العصر، وفقًا لمعايير وضوابط صارمة؛ يساهم فيها المركز الوطني للقياس والتقويم (قياس) وإعدادهم تمهيدًا لتقلد هذه المناصب المهمة، التي تدير عجلة الإنتاج في عصب الدولة بوصفهم قادة التغيير نحو هذا التحول النوعي؛ ودورات مهنية دوريًا تزودهم بالخبرات والمهارات التي تؤهلهم للنهوض بأدوارهم القيادية المناطة بهم؛ مواكبة التطوير المتسارع في الفكر الإداري، وسعيًا لتحقيق متطلبات هذا التحول الوطني نحو مجتمع المعرفة؛ لإدارة مجتمعاتنا المهنية بالقيادة التي ينبني عليها أي مشروع وطني في جميع الميادين والمجالات؛ لارتباطها الوثيق بحياتنا؛ لأن الإدارة كما يقولون: نصف المعيشة؛ ومن هنا أدعو ليتحلَّى المدير بروح القائد الناجح، الذي يبرز في جميع ميادين ومجالات العمل يشارك موظفيه بالتوافق؛ لا ذلك العاجز، المتترس بمكتبه يزهو بإصدار الأوامر والقرارات..!
- أخصائية نفسية