المنطقة متحفزة لإيرادات جديدة وبعد 10 سنوات سيصبح اقتصادها أكثر تنوعاً ">
الجزيرة ـ- بندر الايداء:
أكد خبير ومحلل مالي واقتصادي أن الأسس الاقتصادية لدول مجلس التعاون لا تزال متينة على الرغم من التحديات الراهنة والظروف الاقتصادية المتقلّبة. وقال المحلل زاك حيدري لـ«الجزيرة» إن المنطقة تتمتع بتجمع كبير للثروات الخاصة وأكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، إضافة لاحتياطي هائل من الغاز والنفط يُعتبر من الأعلى على مستوى العالم. كما أن معظم الحكومات الخليجية لديها احتياطيات كبيرة وأصول محلية قيّمة مثل أرامكو السعودية وطيران الإمارات، التي قد يُلجأ إليها في حال الضرورة. كما هناك متسع للحصول على إيرادات جديدة من خلال فرض الرسوم والضرائب. ففي 2014 كان الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج بنحو 1.6 تريليون دولار أمريكي، مع إجمالي دين لا يتعدى 9% من هذا الناتج المحلي. ولتتضح الصورة يمكننا المقارنة مع النسبة المسجلة في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية في الفترة نفسها، التي بلغت 86.8% و103% على التوالي. فالمنطقة هي موطن لأكثر من 50 مليون نسمة، وتضم ثلاثاً من أغنى عشر دول في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي للفرد. وأضاف حيدري: تتصف النظرة السائدة للمشهد الاستثماري في منطقة الخليج بالضبابية، وهو أمر نتفهمه ونعيه جيداً. فالصراعات الإقليمية وانخفاض أسعار النفط وتضاؤل الاحتياطات والضغوط التي تتعرض لها العملات المحلية، فضلاً عن البرامج التقشفية لتخفيض التكاليف، كلها مؤشرات تدلّ على بداية عام يبدو للوهلة الأولى غير سعيد بالنسبة للاقتصادات الخليجية. وقال إن هذه ليست المرة الأولى التي تعيش فيها المنطقة حالة من عدم اليقين والاستقرار، فانخفاض النفط هو أيضاً ليس بالأمر غير المسبوق، فقد نجحت دول الخليج بالتعامل مع أسعار متدنية للنفط في فترات طويلة خلال ثمانييات وتسعينييات القرن الماضي، وصولاً إلى مطلع الألفية الجديدة. ونعتقد أن عناوين الأخبار الحالية، وإن كان فيها شيء من الصحة، إلا أنها تتجاهل نوعاً ما القوة الكامنة التي تتسم بها المنطقة. وتابع أبدت الحكومات الخليجية مرونة بالتعامل مع المعطيات الجديدة وبدأت بالتكيّف مع انخفاض أسعار النفط من خلال مراجعة الميزانيات السنوية، وتم خفض الإنفاق العام ومراعاة الأولوية في تنفيذ المشاريع. وفي المقابل أظهر المواطنون الخليجيون تفهماً للواقع الجديدة وباتوا يتقبلون إجراءات لم يألفوها سابقاً مثل خفض الدعم وإمكانية فرض ضرائب جديدة. أين الكلام عن تخفيض النفقات وصل إلى المجالس والديوانيات، بالتوازي مع تباحث إجراءات التقشف في غرف الاجتماعات بالمؤسسات الحكومية. ومضى: هناك حقيقة تتجاهلها وسائل الإعلام، فخلافاً للاعتقاد السائد، عملية الإصلاح ليست بجديدة، وتم اتخاذ خطوات كبيرة في جميع أنحاء المنطقة على مدى سنوات عدة، كما يتضح من التطور السريع لأسواق المال والاستثمار، فدول الخليج لديها القدرة لتصبح سادس أكبر اقتصاد في العالم بحلول 2030م شريطة أن تستمر على طريق الإصلاح. وقد حصدت تلك البلدان التي كانت أكثر جرأة في نهجها الإصلاحي ثمار عملها: فقد أظهرت الإمارات أنه بمقدور اقتصاد قائم على النفط تنويع الإيرادات وجذب الأعمال والاستثمارات العالمية من خلال اعتماد سياسات صحيحة وأطر قانونية محفزة. الأمر لا يقتصر على الإمارات فحسب، فهناك دول خليجية أخرى تسعى بشكل جاد للإسراع في عملية الإصلاح وباتت تقلل من الدعم الحكومي لأسعار الكهرباء والمياه والوقود، الذي يُعدّ عبئاً ثقيلاً على الميزانيات الحكومية، وكان الحصول عليه من المُسلّمات بين أبناء الدول الخليجية. فالمملكة أكبر سوق في المنطقة، تعكف على وضع خطة جديدة وطموحة لإعادة تشكيل اقتصادها وتشجيع القطاع الخاص وكذلك جذب الاستثمارات الأجنبية. ومن دون أدنى شك، تشكل موجة التنمية والاستثمار بقيادة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب الاكتتابات المرتقبة لبعض الشركات العملاقة فرصة كبيرة للمستثمرين في المملكة. وتابع حيدري: حتى وإن كانت العملية مُضنية وكانت الأهداف طموحة، إلا أن رياح التغيير التي تجتاح المنطقة هي أخبار جيدة ومبشّرة بمستقبل أفضل. فإنفاق الإيرادات الحكومية بطريقة أكثر تعقلاً وحكمة يمهّد الطريق لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية على أسس إاستراتيجية ومستدامة. كما أن التركيز على تحفيز القطاع الخاص يسهم بتعزيز الإيرادات وخلق مزيد من فرص العمل للشباب. والأهم من ذلك، باتت الحكومات الخليجية على يقين أن التنويع المدروس الذي يقوده القطاع الخاص هو المفتاح لمستقبلهم، بغض النظر عن التقلبات التي تشهدها أسعار النفط. ففي هذه الأوقات الصعبة، وفي وقت تسعى الحكومات جاهدة لاستقطاب الاستثمارات والشركات الباحثة عن الأموال، هناك الكثير من الفرص المتاحة للمستثمر الذكي. فمهما كانت العناوين غير مشجعة، الوقت مناسب للاستثمار في منطقة الخليج والتحضر جيداً للانطلاق. فبعد 10 سنواتن الآن، ستصبح منطقة الخليج مكاناً يتمتع باقتصادات أكثر تنوعاً وجاذبية للاستثمارات والأعمال التجارية. فقد حان الوقت لإلقاء نظرة ثانية على الكأس، لنرى فيما إذا كان نصفه فارغاً أو كان نصفه الآخر ممتلئاً.