تعليقاً على تجاوزات بعض المعلمين في القضايا المنشورة على صحيفة الجزيرة، فإن قضية الضرب في مجال التربية التعليم من القضايا التي تباينت فيها الآراء ما بين مؤيد ومخالف ومحايد، ومازالت هذه الآراء متباينة وخاضعة إلى قناعات شخصية وتجارب ميدانية، وموقفي في تلك القضية هو وسط محايد بين طرف مؤيد وآخر مخالف، وأحسب أن الوسطية في الأمور المتباينة هي المنهج المعقول والأقرب إلى الصواب, فإقرار الضرب وفتح الباب له على مصراعيه رجوع إلى الخلف ونبذ لنظريات التربية الحديثة، ومنعه بالكلية تجاهل للواقع وتزكية بالمثالية، ووجوده بشروط وضوابط يجمع بين الآراء ويحقق المطلوب.
وأما المنافحون والمكافحون من أجل إعادة العصا للمعلم، فلست معهم لا من قريب ولا من بعيد، وأعتقد أنه من المجازفة أن يسمح لأكثر من مائة وعشرين ألف معلم باستخدام الضرب وفيهم المتسرع والمتهور والمتشفي والغاضب والحاقد والجاهل في أساليب التربية، وليس هذا من الدين في شيء كما يزعم البعض بقولهم إن التأديب وسيلة من الوسائل الشرعية، ويوردون أحاديث واستدلالات ليست في محلها عقلاً ولا شرعاً، ولعل من أشهرها على ألسنتهم حديث ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر) .. الحديث.
فظاهر الحديث التدرج بالتعليم والتوجيه ، وجعل بينها وقتاً زمنياً بين التعليم والتوجيه والضرب وقت زمني كفيل بحصول النتيجة قبل الوصول إلى مرحلة الضرب (غير المبرح) والخطاب أيضا موجّه إلى الأب أو الولي، ولاشك أن الضرب من الأب لابنه لن يكون مثل ضرب المعلم لتلميذه لوجود الشفقة والرحمة والحنان الأبوي، ثم من يستطيع أن يخاصم الأب على ضربه لابنه ناهيك عن أن الضرب في الحديث كان على ركن من أركان الإسلام هذا بالنسبة لموقفي من استخدام المعلم للعصا، وأما إدارة المدرسة فلابد من إعطاء الصلاحية لها وفق شروط وضوابط معينة لوجود بعض الحالات الشاذة التي تستدعي ذلك وهي بمنزلة ولي الأمر.
ولقد وفقت وزارة التعليم يوم أن قررت منع استخدامه للمعلمين، وسمحت لإدارة المدارس باستخدامه وفق شروط معينة فأنزلت المعلم منزلته وأبقت للعصا هيبتها، ولقد جنحت حينما صادرته من المدارس بالكلية في قرارها الأخير اقتداءً ببعض الدول المتقدمة، وتجاهلت الواقع الاجتماعي والتقدم الحضاري من مبانٍ متكاملة ووسائل حديثة وألعاب مرفّهة جعلت الطالب يؤثر المدرسة على المنزل لأنه وجد ما يلبّي رغبته ويشبع مهارته ، وزارة التعليم تريد أن تنقل هذا المجتمع بما فيه من ممكن وغير ممكن حتى يساير المجتمعات المتطورة، بغمضة عين أو لمحة بصر، ومن المعلوم أن السلّم يصعد درجة درجة ولعل وزارة التعليم تعيد النظر في قرارها الأخير ونحن قد عرفنا عنها تقبّلها للنقد الهادف والرأي الصائب، ويعود الأمر على ما كان منعه من المعلم وإعطاء الصلاحية للإدارة بشروط معينة.
نجوى الأحمد - جامعة الأميرة نورا