تعليقاً على ما تنشره صحيفة الجزيرة حول ظاهرة العنف المدرسي، التي هي من الظواهر المهمة والعوامل المؤثرة على المجتمع وعلى الأفراد، ويعود أهمية الأمر لما تلعبه المدرسة من دور مهم كمؤسسة تربوية، وكنطاق من العلاقات الاجتماعية بين أعضاء المدرسة من طلاب وهيئات تدريسية، وهي علاقات تتعدى مباني المدرسة و هياكلها الإدارية إلى نطاق أوسع يمتد ليشمل المجتمع المحلي.
فالمدرسة كمؤسسة أخذت من الوظائف والأدوار التربوية للأسرة وباقي مؤسسات المجتمع، والدور التربوي للمدرسة قد يتم ضمن برامج تربوية العلاقة فيها المدرس «المربي» والطالب المتلقي لعملية التربية، أو يتم بشكل غير مباشر من خلال العمليات الاجتماعية والإدارية التي تتم بين الطالب والطالب من جهة أو الطالب والهيئة التربوية من جهة أخرى، أو من العلاقات التفاعلية بين المدرسة والمجتمع كمؤسسة هي جزء من البنيان الاجتماعي للمجتمع تتأثر به وتأثر به.
ومهما كانت العمليات التربوية المباشرة أو غير المباشرة في المدرسة، فإن إدارات المدارس هي المسؤولة عن الإشراف والتوجيه وتقبل التغذية الراجعة والتقويم واحتواء التوترات...إلخ من العمليات الإدارية والاجتماعية داخل هذه المؤسسة.
وهي مسؤولية طبيعية لهذه الإدارات بموجب الدور القانوني والرسمي والاجتماعي الذي فوضها به المجتمع، وبموجب ما منحها لإطار الرسمي من الإمكانات و الصلاحيات بما هو كفيل بمساعدتها في الإيفاء بمسؤولياتها.
ومن هذا المنظور سأتناول قضية العنف المدرسي كمنتج «بضم الميم وفتح التاء اسم مفعول» داخل المدرسة علماً بأننا وفي مناسبات عديدة وبوسائل مختلفة كنا نتناول قضية العنف المدرسي داخل المدارس كقضية تأتي للمدرسة من خارجها، أي من المجتمع المحيط بحيث تتحول المدرسة ساحة للعنف المتولد نتيجة عوامل ثقافية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية تسود المجتمع المحلي، وخلال معالجة قضية العنف من هذا المنظور كان الحديث يدور حول التأكيد على ضرورة أن تأخذ المدرسة دورها المهم في معالجة السلوك العنيف داخلها بمجموعة من البرامج التربوية والإدارية والاجتماعية، بحيث تتحول المدرسة إلى مؤسسة يسودها الانضباط والاحترام.
وعند الحديث عن المدرسة كمنتج للعلاقات العنيفة داخلها فإننا لا نتحدث بمنظور واحد أو باتجاه واحد، بل نتحدث بمنظور شمولي ومتعدد الاتجاهات، لأن العنف داخل المدرسة لا يحمل نمطاً واحداً بل أنماطاً عدة، فهو يمتد من ذلك السلوك العدواني البسيط للطالب تجاه زميله أو معلمه إلى درجة السلوك الإجرامي والجنائي، كما أنه قد يأخذ الحالة الفردية أو يأخذ شكل الفعل الجماعي وتكوين العصابات والشلل، وقد يوجه الطالب العنف لذاته بحيث يقوم بأي سلوك تدميري لها أو يوجهه للآخرين من أقرانه أو مدرسيه أو حتى المجتمع.
هذا، وقد تساعد الحالة الإدارية والاجتماعية الممارسة داخل المدرسة لظهور حالات من العنف المدرسي داخلها، أو أن الفشل في معالجة السلوك العنيف المسبب نتيجة عوامل من خارج المدرسة، وفي كلتا الحالتين فإن إدارات المدارس تعد المسؤولة عن حالة العنف المدرسي ضمن أسوار مدارسها.
ومن هنا نستطيع أن نتناول دور المدرسة في خلق علاقات عنفية بين الطلاب على النحو التالي:
1 -إذا كانت تعاني المدرسة من خلل في عملياتها الإدارية يؤدي الأمر إلى خلخلة نظامها الإداري وفقدان آليات الضبط والسيطرة الإدارية على طلابها ومربيها، أو قد يحدث العكس بأن تلجأ المدرسة إلى التشديد المفرط الذي قد يصل إلى درجة القمع الإداري وبالتالي تولد شعوراً من الاضطهاد والظلم والغبن يولد ردات فعل عنيفة عند الطالب أو المربي.
2 - شعور الطالب بالتفرقة والتمييز في التعامل من قبل الهيئات التدريسية، وذلك على أي قاعدة قد تكون تفرقة وتمييز بين الطلاب على صعيد درجة القرابة بين الطالب والمربي أو الجهوية أو الجيرة أو أي اعتبار آخر هذا الشعور بالتمييز والتفرقة يفقد الطالب الثقة بالمربي وبالمدرسة كمؤسسة يفترض منها العدل والمساواة والتعامل بمسافات متساوية بين الطلاب وبالتالي لن يلجأ الطالب إلى إدارة المدرسة في تعامله مع أي قضية أو مشكلة يقع فيها بل سيمارس السلوك العنيف لأخذ حقه.
3 - فشل المدرسة في إخفاء الفروق الاجتماعية والفردية والاقتصادية بين الطلاب بحيث تقوم علاقة المنافسة بين الطلبة على قاعدة التفوق العلمي والسمو الأخلاقي، بل قد يزداد الأمر سوءاً إذا مارست المدرسة من السلوك التربوي والإداري ما بإمكانه إبرار تلك الفروق الاجتماعية والاقتصادية والفردية بين الطلاب، وهو الأمر الذي سيخلق صراعات بين الطلبة وبالتالي سلوكاً عنيفاً.
4 -إذا خرجت المدرسة عن مهامها التربوية أو بعض المربين فيها واستعاض في تعامله مع الطلاب عن الوسائل التربوية بوسائل أخرى قد يكون منها الأسلوب البوليسي والأمني ومنها الأسلوب القمعي...إلخ من الأساليب التي لا تخدم العملية التربوية بل تقود لسيادة علاقات عنيفة بين الطلاب خصوصاً إذا ما علمنا بأن في معظم الأحيان يوظف المربي طلبة لتفيذ تلك الأساليب على زملائهم الطلبة.
5 -المدرسة جزء مهم من المجتمع وبالتالي فإن أي خلل في العلاقة بين المجتمع المحلي والمدرسة قد يؤدي إلى فقدان المدرسة عنصراً حيوياً من عناصر عمليات الضبط الاجتماعي الطبيعي داخل المدرسة، وهي عمليات ضبط يمارسها المجتمع عبر أبنيته وتراكيبه ومن خلال منظومة القيم السائدة فيه منذ زمن بعيد وممتد وبالتالي يمكن للمدرسة أن توظف عمليات الضبط الاجتماعي هذه في معالجة ظاهرة العنف فيها.
6-المدرسة كمؤسسة رسمية داخل المجتمع يجب أن تعزز علاقاتها بالمؤسسات الرسمية داخل المجتمع من شرطة وجهاز قضائي... إلخ، وهي علاقة يجب أن لا تكون شكلية يغلبها المجاملات، بل يجب أن تكون علاقات إدارية رسمية وفي الوقت نفسه الاستفادة من الدور التوجيهي والتربوي لهذه المؤسسات في تنفيذ برامج توجيهية وتوعوية بين الطلاب بقصد التوجيه من جهة وتعريف الطلبة بموقف المؤسسة الرسمية من السلوك العنيف للطلبة وعاقبة من يمارس هذا السلوك.
7- ديننا الإسلامي السمح يربي النفس على مبدأ الأخوة وأن المسلمين أذلاء فيما بينهم أشداء على الكافرين، وأن كل المسلم على المسلم حرام، وغير ذلك من القيم السمحة التي تعزز العلاقات الإيجابية البناءة بين الطلاب وبالتالي يجب على المدرسة الاهتمام بتعزيز الجانب الإيماني لدى الطلبة ضمن برامج تتعدى الحصص المقررة لمادة التربية الدينية، وكذلك تتجاوز مبنى المدرسة بالاستعانة بهيئات من خارج المدرسة تتعاون مع المدرسة في تنفيذ هذه البرامج داخل المدرسة أو خارجها في الحارة والمسجد أو المؤسسة...إلخ.
هذا جزء من المعالم التي قد تحدد الطبيعة الاجتماعية والإدارية والتربوية للمدرسة كعامل منتج للعنف المدرسي الذي ممكن تصديره للمجتمع بحيث تتحول المدرسة من مؤسسة تساعد على معالجة مشكلة العنف إلى جهة تصدر العنف للمجتمع.
وبحديثنا عن دور المدرسة في العنف المدرسي لا يعني بأن المدرسة هي الجهة الوحيدة عن المسؤولة إيجاد السلوك العنيف بين طلابها، ولكن كما أسلفنا فإن هناك عوامل خارج المدرسة والمدرسة لا علاقة لها بها تسبب السلوك العنيف داخل المدرسة ولكن حديثنا عن دور المدرسة هو ما باب التركيز على هذا الدور وليس من باب إعفاء العوامل الأخرى من المسؤولية عن حالة العنف داخل المدارس.
ريما المقبل - الرياض