فؤاد أحمد البراهيم ">
نحن أمام طوفان عظيم يجتاح كل العالم ولا يمكن السيطرة عليه، أنه طوفان الشبكات الاجتماعية الذي لا يمكن التحكم فيه أو تنظيمه أو توجيهه وجه التحدي أن العلماء والفلاسفة منذ آلاف السنين تدرس علم الاجتماع البشري الواقعي، وثمة آلاف من المؤلفات وآلاف من السنين من التجارب وسن القوانين والتشريعات والأنظمة والدساتير لتنظيم المجتمعات البشرية. فجأة يظهر خلال سنوات معدودة المجتمع الافتراضي الذي اكتسح البشرية ولا يعرف إلى أين مداه ومنتهاه. في المجتمع الافتراضي مجموعة من الأفراد يتفاعلون مع بعضهم البعض عبر الشبكة الاجتماعية. عدد الأفراد قد يشمل شخصين أو مليارين من الأشخاص. سيكولوجية جماهير المجتمع الافتراضي لم تتم دراستها وكيف قيادتها وتوجيهها، ولم يؤلف ويكتب فيها بشكل كافٍ. لا يزال المجتمع الافتراضي يخفي الكثير وفي كل يوم يفاجئنا بتحديات ينبغي مواجهتها، أو سعت تلك التحديات إلى زعزعة الاستقرار الأمني للمجتمعات.
الإحصائيات المريعة التي تدل على إعداد أفراد المجتمعات الافتراضية في ازدياد مطرد. لو كانت الشبكات الاجتماعية دولة فأن فيسبوك تعد ثاني أكبر دولة بعد الصين. إذ يصل عدد مستخدمين فيسبوك لأكثر من 1.35 مليار شخص نشط شهرياً. تتصدر السعودية قائمة عدد مستخدمي فيسبوك عربياً. لمزيد من الإيضاح في تنامي عظم فيضان المجتمع الافتراضي، فيسبوك انشأه طالب في جامعة هارفرد عام 2004، وبدأ استخدامه مع طلاب جامعة هارفرد فقط، ثم اتسعت.. واتسعت عضوية الموقع لتشمل أكثر من مليار مستخدم حول العالم.
قد لا يعجب البعض التهويل من الشبكات الاجتماعية، ويرى فيها نعمة على البشرية وليست نقمة لنشر المعرفة والأخبار. وأقول صحيح إن وسائل الإعلام تنقل المعرفة والأخبار ويتفاعل البشر مع بعضهم البعض، لكن في بعض حالات أي أخبار قد تنقل وأي شكل من أشكال التفاعل قد تقود إليه المجتمعات. في مثل حال بعض دول الوطن العربي قادت تلك التفاعلات عبر الشبكات الاجتماعية إلى اضطرابات سياسية وأمنية. ألم تقود الشبكات الاجتماعية إلى عالم عربي أقل استقراراً وتتداعى فيه الأحداث وبسرعة بين الدول العربية والإسلامية والعالمية.
الأحداث في أي ركن من أركان العالم تؤثر الآن على بقية العالم بسرعة وبشكل حاد، كالأحداث الإرهابية المنشورة عبر الوسائط الشبكية. الجمعات الإرهابية كداعش وغيرها تستغل فيديو اليوتيوب لتنشر الرعب وتقطيع الرؤوس.. ويتم تداولها عبر منصات وسائل الإعلام، وكأن تلك الوسائل تقوم بدور الحرب بالوكالة. الكثير من الباحثين يرون ذلك: بينما تنتشر الشبكات الاجتماعية المحمولة بين أيدي الناس، يتجه العالم بشكل ملحوظ إلى عدم الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي. ذلك لأن وسائل الإعلام الاجتماعية تسرّع الاضطرابات السياسية مثلما يحدث في دول ما يسمى بدول الربيع العربي. الشبكات الاجتماعية لها دور في تأزيم الصراعات الفكرية والنزاعات العصبية. مثلاً، في الصومال ساهمت في تأزيم الصراعات والانقسام السياسي والفكري والصراع القبلي. لذلك فأن الشبكات الاجتماعية قد تثير العدائية والشحن والنعرات والعصبيات بين أفراد المجتمع.
ثمة دول عانت من خطر الشبكات الاجتماعي أو تخشى من تأثيرها ولم تستطيع السيطرة على المجتمعات الافتراضية. على سبيل المثال، الصين حجبت مواقع الشبكات الاجتماعية مثل فيسبوك منذ عام 2009. وحجبت تويتر ويوتيوب. إيران أيضاً منذ عام 2009 حجبت موقعي فيسبوك وتويتر بسبب المظاهرات التي اعقبت الانتخابات الرئاسية في ذلك العام. كذلك كوريا الشمالية حجبت مواقع التواصل الاجتماعي. تايلند أيضا أغلقت فيسبوك نتيجة اصداء الأحداث التي شهدتها البلاد وأثرها في الانقلاب العسكري. وقد حضرت عدة دول غيرها استخدام فيسبوك وغيره من الشبكات الاجتماعية في فترات متعددة.
حجب المواقع الاجتماعية ليس بالحل الأمثل. طوفان الشبكات الاجتماعية جارف لن يقف أمامه سد الصين العظيم. على أية حال، كل مشكلة ولها حل ينبغي البحث عنه. إن اجراء الابحاث والدراسات وسن القوانين والتشريعات الجديدة لتنظيم المجتمع الافتراضي مطلب الاستقرار الأمني. الرقابة القانونية على ما ينشر في الشبكات الاجتماعية امر ضروري للأمن والاستقرار الوطني، لكن بسبب الرقابة في حالات، يستغل الناشرون للوسائط الإعلامية المفبركة لتدمير حياة ومستقبل شخص أو معلم أو مسؤول ما. مثلاً أن يستفز هذا الموظف أو المعلم أو المسؤول أو.. الوزير ثم يبدأ التسجيل بخفية وخبث ردت فعله للانتقام منه. مقطع فيديو الاستفزاز يتم نشره عبر واتساب أو يوتيوب أو غيره فيثير حاله من النقمة الاجتماعية على ذلك الموظف أو ذلك المسؤول. ثم يأتي دور القانون لإرضاء الرأي العام. وقد يستخدم في ذلك وسائل التعديل والتحرير على الصور كالفوتوشوب او الفبركة والمونتاج للفيديو. لذلك قد يكون لناشر الفضائح دور خفي وخبيث ينبغي الانتباه له وردعه.
ثمة جرائم كثيرة ترتكب في المجتمعات الافتراضية ينبغي مقاضاتها. على سبيل المثال، من الجرائم الإلكترونية جرائم السب والقذف أو تشويه السمعة باستخدام أدوات تحرير الوسائط الإعلامية والنشر. من الأمثلة أيضاً اختراق الحسابات ونشر ما يمكن أن يضر بصاحب الحساب. الأمثلة للجرائم الإلكترونية كثيرة، مثل تجارة المخدرات إلكترونياً، والابتزاز والجرائم المالية.. لكن قد يكون مرتكب الجرائم لا يمكن مقاضاته خاصة إذا جاء من خارج الحدود الوطنية لغياب الرادع القانوني والتنفيذ الدولي. الإنتربول أعلنت عن سعيها لأنشاء منظومة دولية مختصة بمكافحة الجرائم الإلكترونية. لذا فإن الجهود مبذولة لمكافحة الجرائم الإلكترونية عالمياً.
هناك جرائم في حق الأوطان كبث الإشاعات المغرضة الكاذبة التي تسيء للوطن وسمعته وسلطته وتأليب الرأي العام والتحريض العام على الدولة. لذا فأن الرقابة الحكومية على الشبكات الاجتماعية هو قرار منطقي في مصلحة الناس وأمنهم واستقرارهم. من المهم الإبلاغ عن الجرائم الإلكترونية وإيجاد جهة تستقبلها إلكترونياً والاهتمام بالبلاغات وإصدار توجيهات وأوامر تنفيذية وتفعيل أحكام القانون للمجتمعات الافتراضية.