عبدالله بن سعد العمري
في صيف عام 2005، وحينما كنت أتناول طعام العشاء على مائدة الأمير خالد الفيصل بأبها، كان سموه يتحدث عن سرعة ما وصلت إليه بعض المدن المجاورة من تطور مذهل آن ذاك. وكان في معرض حديثه أثناء العشاء يتذكر زيارته لدبي عام 1416-1415هـ، وكيف أن حكومة دبي لم تجد أفضل من مقر ضيافتها لينزل بها سموه والوفد المرافق له. ما يعني أن دبي تلك الفترة قد عاشت لحظاتها الأخيرة قبيل البدء في رفدها بالحضارة العمرانية وبالشكل الذي نراه اليوم. والحقيقة أن الأمير خالد الفيصل كان قد بدا توَّاقا لحضارة أخرى بدت وكأنها ليست عمرانية فحسب، فهو دائما ما يردد أمامنا شغفه برؤية وطنه في مصاف العالم المتقدم، بل كان يفعل كل ما بوسعه ليشبع هذا الطرح كل فكرة جديدة للعمل عليها حتى نصل للمستوى العالمي المطلوب. وكنت أتساءل حينها: كيف لنا أن نتطور دون أبراج عالية تشق السماء، ودون شوارع فسيحة مرتبة ولها أشكال مختلفة توحي بأن لدينا بنية تحتية متطورة. لكن الأمير قال ذات يوم وعلى نفس المائدة: كم أتمنى أن أجد شابا يتحدث الإنجليزية بطلاقة وعاطل عن العمل لنستفيد منه كموظف في الإمارة! ألا تعتقدون أننا لا نزال نفتقد إلى مثل هذه الكفاءات؟ حينها أدركت جزءا مما يقصده الأمير في قوله: يجب أن نكون ضمن العالم الأول، وأدركت أيضا أن حضارتنا الحتمية والمرحلية والحالية لا بد وأن تكون حضارة فكرية ثقافية علمية قبل أي شيء آخر.
وقد حدث بعدها أن تكلمت إلى معلمي الأمير خالد الفيصل في أحديته الثقافية ربيع عام 2006، عن كتابه «شاهد على التنمية» في المحاضرة التي ألقيتها في مجلسه بحضور كبار المثقفين في المملكة وبعض مثقفي الوطن العربي، فقلت مخاطبا إياه وكاشفا عن جزء من حُلمه: لقد أثبتَّ يا سيدي رؤيتك التنموية من خلال شهادتك في هذا الكتاب «شاهد على التنمية»، وبقي أن نرى صدور حكمها لصالحك! لذا كان من الطبيعي أن يبتسم الأميرُ حينها رضًا عن جيل من الشباب كان ينشدهُ، وهو من سيواصل بسواعده الارتقاء بهذا الوطن.
لقد نجح شباب المملكة العربية السعودية اليوم في دفعهم المستمر لعجلة التنمية إلى الأمام، وهو النتيجة المشرقة لرؤية القيادة حفظها الله في طرح الجزء الأكبر من ميزانية الدولة لصالح القوة والتعليم، فهما النشاطان الوحيدان لاستغلال طاقات شباب الوطن في الحفاظ على مكتسبات وطنهم وحمايته، وفي ارتقائهم بتعليمه وشهاداته وخبراته، مما جعل المملكة تجلس على عرش البلدان الأكثر ابتعاثا لأبنائها وبناتها، وهو النفع المتمثل لنا بعودة ما يقرب من عشرة آلاف طالب وطالبة كل عام ممثلين التخصصات المختلفة وعبر أرقى جامعات العالم. واليوم وقد تحقق جزء كبير من حلم الأمير خالد الفيصل، وهو ذات النهج الحكيم للقيادة حفظها الله في رسم المعالم الشاهقة لمستقبل المملكة الواعد رغم ظروف المنطقة العربية الصعبة، لهو الأمر الذي يجعل من شعب المملكة وقيادتها نموذجا رائعا في المنظومة الوطنية الرائدة، والتي تحقق أهدافها النبيلة من خلال التنمية والأصالة الذاهبتان لأن تكونا درسا وطنيا لكل بلدان العالم. وبالطبع، وبعد عشر سنوات من حديثي عن رؤية الأمير خالد الفيصل التنموية، فإنه يمكنني اليوم القول: إن شباب الوطن يا سمو الأمير سيحققون بإذن الله ما تأمله فيهم قيادتهم الرشيدة من مواصلة النهوض العلمي والفكري والمعرفي، وما كنتم تصبون إليه من رؤية بلد الحرمين الشريفين وقد تصافَّ ودول العالم الأول عبر عزم شبابها على اللحاق بكل ركب مفيد، فقد وصلت الفكرة وهو المهم، فلا تقلق يا سمو الأمير!