د. سلطان بن راشد المطيري ">
عيد الأم أو يوم الأم هو يوم انتشر خبره في الآفاق احتفالا واحتفاء بالأم وحددوا لذلك 21/ مارس من كل سنة ميلادية ويقال إن صاحب هذه الفكرة هو الصحفي المصري علي أمين وأخوه مصطفى أمين رغبة منهم في تشجيع الأبناء بالقيام بحق أمهاتهم التي حملت وأرضعت وربت وتعبت.
المحتفلون بيوم الأم يحسبون أنهم مهتدون ، ويعتقدون أنهم بهذا الاحتفال أدوا حق الأم التي تستحقها!!
نحن أهل الإسلام نعتقد اعتقادا جازما أن حق الأم حق عظيم وأن الله أوجب حقها بعد حقه سبحانه.
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}.
لكن الشرع يأمرنا أن نتبع ولانبتدع وأن يكون لنا في كل مانأخذ ومانذر هدي من كتاب أوسنة كما قال ابن القيم رحمه الله:-
الجهل داء ودوائه أمران
في التركيب متفقان
نص من كتاب وسنة
وطبيب ذالك العالم الرباني
والإحسان هذا هو أعلى مراتب الدين وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك.
فكأن الله يقول لنا عاملوا الأم والأب بهذه المرتبة من الدين مرتبة الإحسان.
بل أبعد من ذلك لما أراد نبينا صلى الله عليه وسلم أن يقرب رحمة الله ويفهمها المتلقي مثلها برحمة الأم فعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ تَبْتَغِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟» قُلْنَا: لَا وَاللَّهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا».
لست هنا في معرض مناقشة حل وحرمة هذا الاحتفال فقد قال علماؤنا الكرام كلمة الفصل في ذلك لكنني أريد أن أؤكد أننا سبقنا كل العالم وكل التشريعات الوضعية بحفظ ورعاية حقوق الأم كيف لا وديننا دين الكمال والشفقة والرحمة !!
لاشك إن فضل الأم على الإنسان فضل عظيم يكفيها أن الجنة التي سيلت من أجلها الدماء وطال أمام الله وقوف العباد وسالت على وجناتهم الدموع
وهي مكافأة الله لعباده المتقين هذه الجنة لها موقع من الأم فأين موقعها اسمعوا لهذا الحديث الذي جاء في مسند الإمام أحمد وابن ماجه وحسنه
شيخنا الألباني رحمه الله في صحيح الجامع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل ( ويحك الزم رجليها فثم الجنة ) نعم الزم قدميها ستجد رائحة
الجنة عند رجليها ماذا نقول لمن عق أمه أو أباه والله والله لو لم يأت في حق الأم إلا هذا الحديث لكفى.
ومن أعجب القصص التي كل ما ذكرتها دمعت عيناي وهيجتني على البكاء هذه القصة التي تستحق القراءة تقول الحكاية :-
تقدم طبيب لخطبة فتاة، ولكنها عندما علمت بوظيفة والدته، اشترطت ألا تحضر والدته الزفاف لكي تقبل إتمام الزواج، فاحتار الشاب بأمره وقرر أن يلجأ إلى أستاذه في الجامعة ليستشيره، وعندها سأله:ولماذا هذا الشرط؟ فأجاب في خجل: أبي توفي عندما كنت بالسنة الأولى من عمري ووالدتي عاملة بسيطة، تغسل ثياب الناس لتنفق على تربيتي ولكن هذا الماضي يسبب لي الكثير من الحرج و علي أن أبدأ حياتي الآن».
فقال له أستاذه: لي عندك طلب صغير.. وهو أن تغسل يدي والدتك حالما تذهب إليها ثم عد للقائي غدا وعندها سأعطيك رأيي»
وبالفعل عندما ذهب للمنزل طلب من والدته أن تدعه يغسل يديها، بدأ بغسل يدي والدته ببطء, وكانت دموعه تتساقط لمنظرهما.
كانت المرة الأولى التي يلاحظ فيها كم كانت يداها مجعدتين, فيهما بعض الكدمات التي كانت تجعل الأم تنتفض حين يلامسها الماء! كانت هذه التأوهات والآلام تلامس قلب الولد فيراجع نفسه وهو يبكي !!
بعد انتهائه من غسل يدي والدته, لم يستطع الانتظار لليوم التالي، ولكن تحدث مع أستاذه على الهاتف قائلا:
أشكرك، فقد حسمت أمري لن أضحي بأمي من أجل أحد... فلقد ضحّت بعمرها من أجلي
من لم يقدّر فضل أمه في حياته لن يجد من يقدّر حياته بعد مماته. ومثل ذلك تلك القصة المشهورة والتي كتبت شعرا ومفادها أن رجلا أغرى شابا بأنه سيزوجه من ابنته واشترط عليه أن يأتي بقلب أمه مهرا لابنته يقال لأنها رفضت من قبل أن تتزوج بوالد هذه الفتاة الأبيات تبكي لأنها تتكلم عن قلب الأم أعظم قلب يحملك في داخله يقول إبراهيم منذر :-
أغرى امرؤٌ يوماً غُلاماً جاهلاً
بنقوده حتى ينال به الوطرْ
قال : ائتني بفؤادِ أمك يا فتى
ولك الدراهمُ والجواهر والدررْ
فمضى وأغرز خنجراً في صدرها
والقلبُ أخرجهُ وعاد على الأثرْ
لكنه من فرطِ سُرعته هوى
فتدحرج القلبُ المُعَفَّرُ إذا عثرْ
ناداه قلبُ الأمِ وهو مُعفَّرٌ :
ولدي ، حبيبي ، هل أصابك من ضررْ ؟
فكأن هذا الصوتَ رُغْمَ حُنُوِّهِ
غَضَبُ السماء على الوليد قد انهمرْ
ورأى فظيع جنايةٍ لم يأتها
أحدٌ سواهُ مُنْذُ تاريخِ البشرْ
وارتد نحو القلبِ يغسلهُ بما
فاضتْ به عيناهُ من سيلِ العِبرْ
ويقول : يا قلبُ انتقم مني ولا
تغفرْ ، فإن جريمتي لا تُغتفرْ
واستلَّ خنجرهُ ليطعنَ صدرهُ
طعناً سيبقى عبرةً لمن اعتبرْ
ناداه قلبُ الأمِّ : كُفَّ يداً ولا
تذبح فؤادي مرتين ِ على الأثرْ
ياساده أيها المحتفلون بالأم في يوم واحد نحن نحتفل بها معشر المسلمين في كل لحظة وكل دقة قلب وكل يوم!!
فالله قد أوصانا بها:- {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} (23).
قال المفسرون وقوله ( فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ) يقول: فلا تؤفف من شيء تراه من أحدهما أو منهما مما يتأذّى به الناس، ولكن اصبر على ذلك منهما، واحتسب في الأجر صبرك عليه منهما، كما صبرا عليك في صغرك.
بل ابعد من ذلك جاء عن مجاهد إما يَبْلُغانَّ عِندك الكبر فلا تَقُل لهما أف حين ترى الأذى، وتميط عنهما الخلاء والبول ، كما كانا يميطانه عنك صغيرا، ولا تؤذهما.
وصية ربانية !! قرءانية إلى قيام الساعة!!
على العموم لاتقل لهما أف وعلى العموم قل لهما قولا كريما هذا مقام الأم وهكذا نحتفي ونحتفل بها أما أن نخصص لذلك يوما في السنة فقد قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمة الله :- ولا ريب أن تخصيص يوم من السنة للاحتفال بتكريم الأم أو الأسرة من محدثات الأمور التي لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته المرضيون فوجب تركه وتحذير الناس منه والاكتفاء بما شرعه الله ورسوله. فيا من تشعر بالبؤس وتظن أن الدنيا قد أظلمت فقط ارفع يديك للسماء ولاتقل كيف ستحل يامن عصيت والدتك أو آذيتها تدارك ذلك وأطلب رضاها حتما سترضى عليك لأن لها قلبا لايعرف الزعل ولا يحمل الغل والغضب!!
بل تضرع لمن يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء أن يرقق قلبها عليك ثم يرضيها عنك.
رحم الله آباءنا وأمهاتنا ووفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
phsultan2. 13@hotmail.com