محمود أحمد مُنشي ">
الجار قبل الدار، مَقولة شائعة ومُتداولة بين الناس والجار الصالح لا يُقدّر ثمنه، أقولها بمرارة حقاً أن نرى قليلاً من هؤلاء الجيران الذين نبحث عنهم، هذا لا يعني أننا بعيدون عن هؤلاء الطيبين، رغم أننا نلحظ هُناك بعض الجيران ليس على وِفاق مع بعضهم وهذا ليس بشيء مُزعج هُم قِلّة، بلادنا والحمد لله لا تخلو من الجار الطيّب.
لقد عظّم الإسلام حق الجار وظل جبريل عليه السلام، يوصي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بالجار حتى ظنّ النبي- صلى الله عليه وسلم- أن الشرع سيأتي بتوريث الجار (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) وقد جاء في مُحكم التنزيل {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ} (36) سورة النساء).
إن نبي الأُمة سيدنا محمدا- صلى الله عليه وسلم- كيف حضّ على الإحسان إلى الجار وإكرامه (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، وعند مسلم فليحسن إلى جاره، بل وصل الأمر إلى درجة جعل فيها الشرع محبة الخير للجيران من الإيمان: قال -صلى الله عليه وسلم- (والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يُحب لنفسه، الذي يُحسن لجاره هو خير الناس عند المولى عزّ وجل، خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره. يظن بعض الناس أن الجار هو فقط من جاوره في السكن ولا ريب، أن هذه الصورة هي واحدة من أعظم صور الجوار لكن لا شك أن هُناك صورة أُخرى تدخل في مفهوم الجوار، فهناك الجار في العمل، السوق، مقعد الدراسة وغير ذلك من صور الجوار. لا شك أن الجار له حقوق كثيرة، نُشير إلى بعضها فمن أهم هذه الحقوق، رد السلام، وإجابة الدعوة، عيادة المريض، وهذه إن كانت من الحقوق العامة للمسلمين بعضهم على بعض، إلا إنها تتأكد في حق الجيران لِما لها من آثار طيبة في إشاعة روح الأُلفة والمودة، كف الأذى عنه، نَعم فهذا الحق من أعظم حقوق الجيران، والأذى وإن كان حراماً بصفة عامة، فإن حرمته تشتد إذا كان متوجهاً إلى الجار، فهذا لا ينبغي أن يكون، فقد حذّر النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- من أذية الجار أشد التحذير وهذا أمر لا يُقره عقل ولا مَنطق وجاء في الحديث (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل مَنْ يا رسول الله قال من لا يأمن جاره بوائقه، ولما قيل له، يا رسول الله، إن فلانة تُصلّي الليل وتصوم النهار وفي لِسانها شيء تؤذي جيرانها قال، لا خير فيها هي في النار).
إنها والله لواحدة من شيم الكرام ذوي المروءات والهِمم العالية، إذ يستطيع كثير أن يَكُف أذاه من الآخرين لكن أن يتحمل أذاهم صابراً مُحتسباً فهذه درجة عالية {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} (96 سورة المؤمنون). ويقول الله تعالى {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } (43) سورة الشورى). وقد ورد عن الحسن رحمه الله قوله ليس حُسن الجوار كف الأذى،حُسن الجوار الصبر على الأذى، ولما ذبح عبد الله بن عمر رضى الله عنهما شاة قال لِغُلامه إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهودي، وسألت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال، إلى أقربهما منك باباً.
من المؤسف أن بعض الجيران تراهم يعيشون في عُزلة عن بعضهم بسبب خلاف نشب بين الأبناء فيتدخل الآباء لأسباب لا تذكر وهذا أمر مؤسف وعيب على الطرفين أن يسمع الكبار لهؤلاء الصغار. (وكما يُقال يحفروها الصغار ويقع فيها الكبار)، أن يتدخل الكبار ومن ثم يعود الصغار إلى بعضهم ويبقى الكبار في عُزلة وانقطاع وهذا يتنافى في حق الجار وواجباته وتعاليم المصطفى صلى الله عليه وسلم. إنها أمور تافهة لهذا الانقطاع وقد تتطور الأُمور ويحصل مالا يُحمد عُقباه كان من المفروض أن تُحل هذه الأُمور بشكل ودي وأن يُسفها الشيطان لعنة الله عليه وأن يُحكّما العقل وأن يتنازل كل منهما للآخر لأن الذي حصل لا يستحق هذا التصرف الأرعن، وهذا في الواقع يعيشه كثير من الجيران لا يدركون أن الجار له مكانة رفيعة في الإسلام وأن هُناك آيات كثيرة وأحاديث نبوية تم سردها أعلاه كلها تصب في إحسان الجار لجاره وتقديم كل ما يمكن عمله في سبيل أن تبقى العلاقة حميمية بين الجيران لا أن تكون هناك قطيعة بسبب أمور تافهة أياً كانت أطفال، الاختلاف على موقف مركبة أو خلافه عليهم أن يترفّعوا عن هذه الأمور فهم أكبر من ذلك... فبحكم الجوار قد يطّلع الجار على بعض أمور جاره فينبغي أن يوطّن نفسه على ستر جاره مُستحضراً أن المولى عزّ وجل قد ستره من فوق سبع سماوات فعليه أن يحفظ هذا السر ويتركه في شأنه وعدم هتك سره لا من قريب ولا من بعيد، لأن ذلك حق من حقوق الجار أن يكون ستراً وغطاءً على جاره.
إننا نؤكد على أن سعادة المجتمع وترابُطه وشيوع المحبة بين أفراده لا تتم إلا بالقيام بهذه الحقوق وفضلها وما لها من صدى وأثر طيب تُلقي بظلالها عليهم ويمضُون جيراناً أحباء يشعر الواحد بالآخر (جارك القريب أفضل من أخيك البعيد) هذه الأمور جاءت بها الشريعة الغرّاء، من المؤسف أن واقع كثير من الناس ليشهد بقصور شديد في هذا الجانب حتى إن الجار قد لا يعرف اسم جاره الملاصق في السكن، وحتى إن بعضهم ليغصُب حق جاره، وأن بعضهم ليخون جاره ويعبث بعرضه وأهله وهذا والله من أكبر الكبائر. سُئل النبي -صلى الله عليه وسلم- أي الذنب أعظم عدّ من الذنوب العظام أن تُزاني حليلة جارك، علينا أن نكون على سالف عهد آبائنا وأجدادنا جيرانا مُتحابين في الله، نسأل الله جلّت قُدرته أن يُعيننا على حفظ حقوق جيراننا وأن نُعاملهم خير معاملة امتثالاً لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم لنظفر بالفوز والفلاح ونكون مُجتمعاً كالبُنيان المرصوص يشد بعضه بعضا وأن آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
- جدة