د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
بعدما وصل العالم إلى مرحلة عولمة الإرهاب ولم يكترث بتحذير سابق للمك عبد الله رحمه الله لكافة الدول الإقليمية والدولية من اللعب بورقة الإرهاب، وأن ناره ستحرق الجميع، وبعد تفجيرات بروكسل عاصمة الاتحاد الأوربي، فلا صوت يعلو في الصحف الأوربية على تفجيرات بروكسل، وحتى الإعلام الأمريكي أبرزها صحيفة (نيويورك تايمز ) ذكرت في افتتاحيتها أنه صار بعد تفجيرات بروكسل مزيجا من إرهاب وخوف، في نفس الوقت تشير الأسئلة كذلك إلى قلق وخوف: لماذا؟ كيف؟ ما هي خطط الدولة الإسلامية، التي أعلنت مسؤوليتها؟ خطة هذا الهجوم؟ ماذا نعرف؟ ماذا لا نعرف؟، أسئلة كثيرة ومحيرة، بعدما كانت تعتقد الولايات المتحدة أن الإرهاب بين أيديولوجيتين شيعية وسنية، وكل من الطرفين يريد الهيمنة على العالم الإسلامي، وهذا شأنهم.
لم تستوعب الدول الغربية أن التطرف ظاهرة عالمية، وأن التطرف مشروع أيديولوجي يهدف إلى السيطرة وإلغاء الآخر، لا علاقة له بالعدالة الاجتماعية ولا بالمظلومية السياسية، بل هو يريد التضحية بالجميع، وهو مشروع انتحاري.
السعودية ترفض مواجهة الإرهاب جزئيا خدمة لأجندات إقليمية ودولية، بل أصرت على مواجهة الإرهاب بشكل شامل، لاسترداد الدولة الوطنية، بعدما أعاق الإرهاب تشكيلها في العراق ولبنان وسوريا وليبيا واليمن، ويشترك مع إيران الدواعش والقاعدة في اعتبار الدولة الوطنية صنم تدخل في الإيمان بالطاغوت، ليس فقط عند داعش والقاعدة، بل حتى عند جميع تيارات التشدد، ويمكن أن تكون سندا للتكفير.
تلك الجماعات تتنافس على احتكار الفرقة الناجية، ووصف الطائفة المنصورة على كل جماعة وحركة متشددة وتحتكره دون سواها من الجماعات والحركات الأخرى، وهي التي تطوع الدين وتستغله لأهدافها واستراتيجيتها، بالتأويل والتحريف، مستفيدين من ضعف المرجعيات الدينية التي فشلت في إقناع شريحة كبيرة من المتشددين من أن عدم تطبيق الشريعة الإسلامية في عدد من الدول من أنه لا يلغي إسلامية وتدين المجتمعات وحتى الحكومات نفسها، وأنه لا يبيح لهم الكفاح المسلح من أجل إجبار تلك الدول على تطبيق الشريعة الإسلامية. فأصبح الغلو والتطرف أكثر خطرا على الدين وعلاقة المجتمعات العربية بالمجتمعات الدولية، ما جعل المنطقة العربية بين المليشيات المسلحة الإيرانية والتنظيمات الجهادية السنية المسلحة فجميعهم سواء في الإرهاب.
لكن بعد وصول نار الإرهاب إلى أوربا، وستصل تلك النار أيضا إلى الولايات المتحدة وإلى بقية أنحاء العالم، وستنتهي عبارة السياسي الأوربي لمواطنيه ( نوفر لكم الأمن والعيش ولا تسألوا عما دون ذلك) وستنتهي سياسة اللا موقف أو الحياد السلبي التي لم تعد مقبولة في السياسة الدولية ولم تعد مقبولة في ظل عولمة التطرف، وإذا لم يقف العالم متحدا لمواجهة التطرف والإرهاب فإنه سيحترق أكثر، وسيظل أمنه مستهدفا ومهددا إذا لم يشترك العالم معا في محاربة الإرهاب، خصوصا وأن الحرب ضد الإرهاب ستكون طويلة. وليس من السهل إذا لم يتعاون العالم في محاربة الإرهاب فإنه سيكون تحديد وقت بدء هجمات إرهابية على أهداف غربية متواصل، فالهجمات على بروكسل فرضت على الدول الكبرى التوقف عن اللعب بورقة الإرهاب، خصوصا وأن 26 بلدا في أربع قارات تعرضت لهجمات إرهابية منذ بداية عام 2016 في أفريقيا والشرق الأوسط والأمريكتين، ما جعل فرنسا تدعو إلى المواجهة الشاملة للإرهاب، والقضاء على داعش نهائيا.
سبق أن أدركت السعودية منذ فترة طويلة حقيقة الإرهاب الذي هدد أمنها القومي والخليجي والعربي، فبادرت إلى تشكيل تحالف عربي إسلامي لاستعادة الدولة الوطنية في اليمن بقيادة عاصفة الحزم، وبعد سنة تبعتها برعد الشمال، والآن ينتظم عقد التحالف الإسلامي العسكري في الرياض في 27/3/2016 بالتقاء رؤساء أركان 39 دولة للتحضير لاجتماع وزراء الدفاع تحت مظلة شرعية عالمية.
لم يعد تنجح محاولات تحميل المرجعية الدينية في السعودية مسؤولية التطرف والإرهاب، تارة تتهم السلفية، وتارة تتهم الوهابية، فيما أن رئيس تلك المرجعية الدينية في السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ منذ سنوات وغيره من العلماء حرموا العمليات الانتحارية، ورفضوا الاعتراف بتسميتها عمليات استشهادية، فيما أفتى زعيم الإخوان المسلمين الشيخ القرضاوي بجواز استخدامها في فلسطين ضد اليهود، لكن يبدو أن القرضاوي تراجع عن فتواه تلك ويرى أنه تغير الزمان والمكان بعدما لاحظ أن الإرهاب بدأ يستخدمها، ذلك يثبت أن المرجعية الدينية في السعودية كانت أكثر حكمة، وأكثر تنبؤا بالمستقبل، وأكثر تفهما بحقيقة التطرف، وأنه يمكن أن يحول العمليات الانتحارية إلى عمليات خاصة بأديولوجياته الفكرية معتمدا على فتاوى علماء دين معتبرين يستند عليها عند تحريض وتجنيد أتباعه، وإقناعهم بشرعية العمليات الانتحارية لتوسعة رقعة الإرهاب وإنشاء جيش من الانتحاريين.
ركز بيان الرياض على ترسيخ قيم التفاهم والتسامح، والحوار، ونبذ الكراهية، والتحريض على العنف، وركز الاجتماع على أربعة محاور للتصدي للإرهاب، كان أهمها المحور الأول وهو الإعلام في مواجهة إعلام الجماعات الإرهابية، الذي يعتبر المحور الأساسي في نمو تلك التنظيمات، وتمددها، وتجنيد أتباعها، واصطياد كل من يتعاطف مع فكرهم، بجانب المحور الثاني الفكري بعد إعداد دراسات فكرية، حيث يشكل المحوران الأول والثاني رسائل وقائية وتصحيحية.
ثم المحور الثالث الذي يهدف إلى محاصرة تمويل الإرهاب لأنه يعتبر من المحاور المهمة، ويحتاج هذا المحور إلى تعاون إقليمي ودولي لتجريد المنظمات الإرهابية من كافة أنواع وأشكال التمويل، حيث بدأت السعودية بمحاصرة قنوات تمويل حزب الله، ومصر أيضا اتجهت إلى محاصرة تمويل جماعة الإخوان المسلمين، وحتى تركيا اتجهت إلى محاصرة جماعة غولن المحظورة ومقرها الرئيس في الولايات المتحدة، ما يعني أن التحالف الدولي يفرض على جميع الدول التخلي عن دعم منظمات إرهابية ضد دولها، أو حمايتها تحت ذرائع حقوق الإنسان، أو بذرائع أخرى من اجل استخدامها كأوراق ضد دولها، ثم يأتي المحور الأخير وهو العمل العسكري.
بالطبع هذا التحالف الإسلامي العسكري بقيادة السعودية يفرض على إيران ودول العالم واقعا جديدا من أن السعودية ترفض الاستكانة للأمر الواقع مثلما استولت إيران على الأهواز في بداية الحرب العالمية الأولى بموافقة ورضى من بريطانيا القوة العظمى آنذاك، وكانت الدولة السعودية حينها دولة ناشئة لا تمتلك القوة لمنع مثل هذا الضم، كما لم تتمكن السعودية من منع إيران من احتلال الجزر الإماراتية الثلاث عند استقلال دولة الإمارات عام 1971، لكن في الوقت الحاضر فإن السعودية تمتلك من المقومات والمكانة والقدرات ما يجعلها ترفض المشروع الإيراني الذي يزرع مليشيات داخل الدول العربية تابعة لولاية الفقيه، كما في العراق ولبنان واليمن بعدما أفشلت السعودية المشروع الإيراني في السعودية والبحرين.
لذلك إيران منزعجة من خروج وثائق قضائية جديدة تؤكد ضلوع الحكومة الإيرانية ومرشدها الأعلى في تنفيذ هجمات 11 سبتمبر، تؤكد تورط 6 جهات وأفراد يتقدمهم خامنئ وفلاحيان والحرس الثوري، وأكد المصدر القضائي بأن طهران قدمت تسهيلا ماديا ومباشرا لعملية انتقال منفذي الهجمات، وإدانة حزب الله أيضا، وتطالب بتعويضات مفروضة على إيران ستتجاوز 21 مليار دولار، وأكدت تلك الوثائق أنه في عام 1993 اجتمع بن لادن والظواهري مع عماد مغنية ومسؤولين إيرانيين في السودان لإقامة تحالف للتعاون المشترك ودعم الإرهاب.
وهناك تقارير استخباراتية رصدت مكالمات تؤكد أن تنظيم القاعدة استخدم شبكة تهريب ماس تابعة لحزب الله لممارسة أنشطته الإرهابية، كما ذكر شاهد من السي أي إيه بأن إيران قدمت المساعدة لأسامة بن لادن في عملية اغتيال شاه مسعود قبل عدة أيام من هجمات 11 سبتمبر، وهناك قيادي بالقاعدة يقيم في طهران أمر بشن الهجمات على مجمع الرياض عام 2003، ورصد المكالمات الهاتفية تشير إلى أن الهجمات كانت تدار من داخل إيران، ما جعل محكمة نيويورك تدرج خامنئ متهما بعد بن لادن في هجمات 11 سبتمبر.
كما انزعجت إيران من محاصرة حماس التي تبرأت من الإخوان ودانت اغتيال النائب العام المصري، وقدم وفدها تعهدا بضبط الحدود ووقف استخدام غزة ضد مصر، والتقاء الملك سلمان بوفد البرلمان العراقي، وبوفد شيخ الأهواز ولأول مرة، كما أن انسحاب موسكو من سوريا شكل صفعة لإيران، واكتفت روسيا من أصبحت لاعبا دوليا أساسيا فكت عزلتها الدولية التي فرضها عليها الغرب، في ظل اتفاق روسي أمريكي أوربي حول المرحلة الانتقالية لسوريا، كما تمكنت موسكو من الاتفاق مع السعودية على تجميد إنتاج النفط، واتفقت معها على إنشاء مجموعة عمل سعودية- روسية لأبحاث الطاقة الذرية، ومتضجرة من اختتام تدريبات مصرية - إماراتية - أميركية في البحر الأحمر، إلى جانب تأسيس مجلس خليجي - أميركي مشترك لمكافحة الإرهاب.
وتحاول إيران تفكيك هذا المحور أتى بزيارة روحاني للباكستان استباقا لزيارة أوباما للسعودية بعد المقابلة التي أجراها مع صحيفة اتلانتك وطالب فيها السعودية بإقامة علاقات باردة مع إيران، وأثناء زيارة روحاني لباكستان حاول روحاني احتواء الباكستان، رغم أنه يدرك أنه لا يستطيع فك التحالف بين الباكستان والسعودية بسبب أن الشعب الباكستاني يكن للسعودية كل تقدير واحترام، وتدرك الباكستان أن روحاني لا يمتلك القرار الذي هو بيد خامنئ والحرس الثوري، خصوصا وأن لدى الباكستان هواجس من الاتفاق الأمني الهندي الإيراني الذي يسمح للقوات البرية والجوية الهندية باستخدام الموانئ والقواعد الجوية الإيرانية، وهو ما اعتبرته الباكستان وضعها بين فكي كماشة من الشرق والغرب، من أجل فك إيران عزلتها الإقليمية والدولية.
وفي نفس الوقت تبرئ السعودية الإسلام من تهمة الإرهاب التي ألصقت به عمدا عدوانا وظلما، والذي يستهدف المسلمون في أوربا وأمريكا وفي بقية أنحاء العالم، مع مخاوف من تجدد التمييز العنصري حيالهم بسبب العمليات الإرهابية، وتشابك الاغتراب الاجتماعي بإفرازات تطرف حروب الشرق الأوسط، ما جعل مسلمي بلجيكا ضمن وقفة نددت بالإرهاب أعلنوا فيها بأصوات عالية ( إننا نحب بلجيكا، نعم للوحدة لا للكراهية).