إنه الشيخ علي بن عبد الله المشيقح الذي وافاه الأجل يوم الخميس: الخامس عشر من الشهر السادس سنة: سبع وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة. عن عمر ناهز الثلاثة والتسعين عاماً، مخلفاً حياةً علمية وعملية حافلة جسّدها في مختلف مراحل حياته التي بدأها في كتاتيب بريدة القديمة، ومن أكثرها تلقي كتّاب: المربي الفاضل - عبد الله بن إبراهيم السليم، والمربي الفاضل - محمد بن صالح الوهيبي، والمربي الفاضل - صالح بن محمد الصقعبي. وهي كتاتيب لتعليم مبادئ القراءة، والكتابة، والحساب داخل منازل طينية في غرف غير مفروشة إلا فرش الحصير، ولا مكيفة إلا التكييف اليدوي، ولا وسائل تعليمية إلا ألواح خشب الأثل، ولا أقلام إلا غصون الشجر، ولا مداد إلا الأصباغ، ولا وسائل نقل إلا الأقدام...! ويتخلل تعليمه في الكتاتيب القراءة على والده، وجده بمسجدهم الواقع وسط بريدة القديمة، حيث إن لهم دروس بعد صلاتيْ العصر والعشاء.
كما حرص على تلقِّي الدروس الدينية في مجالس أُسرته التي يحضرها كبار العلماء، وفي مقدمتهم الشيخان الفاضلان - عمر بن سليم، وعبد الله بن حميد، إلى أن افتتحت مدرسة الملك - فيصل بن عبد العزيز، سنة: ست وخمسين وثلاثمائة وألف من الهجرة، وهي نواة المدارس الابتدائية النظامية بمنطقة القصيم، وتقع وسط بريدة القديمة مبنية من الطين على مساحة بضع مئات من الأمتار، ومائة تلميذ، وعشرة فصول، ومدير، ومراقب، وعدد من المدرسين لتدريس الدين، والتاريخ، والجغرافيا، والحساب... وخرّجت مئات من الدارسين الذين برزوا في مختلف المجالات العلمية، ووصلوا إلى أرقى المناصب، ومنهم المشيقح، ومن هذه الحياة الحافلة في مختلف مراحل التعليم التي سلكها، انتقل إلى التعليم بدار التربية الاجتماعية التي بذل فيها جل خبرته العلمية لفئة غالية عليه من الأيتام، الذي حرص على إنزالهم منزلة أبنائه في التربية، ومن ثم انتقل إلى معهد بريدة العلمي لتعليم المراحل الابتدائية والإعدادية العلوم الدينية. وانتقل في بداية افتتاح مكتب الضمان الاجتماعي لإعانة الأُسر المحتاجة التي وجدت منه والعاملين فيه الرعاية التي يستحقونها؛ فالذي يتقصّى حياته يجدها عامرة بالعبادة، والزهد، والتقى. والاعتكاف في أشهر رمضان في غرفة مسجده، وغرف المسجد الحرام، ومد موائد الإفطار في ساحات مسجده للصائمين، وبذل الصدقات، والزكوات، والهبات على مستحقيها من الفقراء، والأرامل، والمساكين.
عرف المشيقح أنه إمام لمسجديْ: الحميدي، والسادة، لأكثر من خمسين سنة، ولازال إماماً لمسجد السادة إلى أن توفي.
كما أنّ له قراءة بمسجده قبل إقامة صلاة العشاء من كتاب: ابن كثير الدمشقي، وكتاب: ابن جرير الطبري، ولم ينقطع عن هذه القراءة إلا بعد أن أقعده المرض.
رحم الله شيخنا الفاضل - علي بن عبد الله المشيقح، وأسكنه فسيح جناته. وتعازينا لأبنائه، وبناته، وإخوانه وجميع أفراد أُسرة المشيقح داخل منطقة القصيم وخارجها.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
- أحمد المنصور