لو جبت أروقة المحاكم فلا تستغرب إن قيل لك إن رجلا طلق زوجته لأنها لم تحضر له الغداء أو العشاء. أو قيل لك إن امرأة طلبت الطلاق لأن بعلها لم يلبِ لها طلبا من الشهوات العابرة. ونشاهد في بعض المنازل أن البعض يغضب إذا لم يجد ما تعوده مما تحن نفسه إليه من مأكل أو مشرب أو ملبس أو نحوه. إن هؤلاء جميعا لو شاهدوا أنفسهم وهم يقومون بهذه التصرفات لعلموا أنهم كانوا في أتفه حالاتهم وأسخفها وأن ما قاموا به لا يخرج أن يكون اتباعا لهوى النفس الذي إن استمر على ما هو عليه فإنه سيرديه. إن النفس لا تسمو إلا إذا خالفت هواها. فلا تعود نفسك على نمط حياة معين كي لا تكون أسيرا لهذه العادة. ولماذا يكون الإنسان أسيرا لعادة معينة وقد خلقه ربه حرا طليقا؟
إن عدم تهذيب هذه النفس البشرية وتربيتها على الطريق الصحيح يوردها المهالك كيف لا يكون ذلك والله سبحانه وتعالى يقول: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (23) سورة الجاثية فإن تربية النفس لا تزكو إلا بمخالفة هواها. كما أنها في أغلب حالاتها تأمر بالسوء وتدعو إليه {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (53) سورة يوسف.
إننا نرى من حولنا أن النفوس إذا خيرت في شيء في أمر الدنيا والهوى فعلته والتزمته. وأنت ترى أن الناس مخيرة في مشاهدتها للتجمعات الرياضية، ومع ذلك فإن أماكنها ووسائل إعلامها تحظى بحضور كبير لمتابعيها. وإذا خيرت في شيء من أمر الدين تهاونت عنه، ونحن نشاهد حال المساجد وقلة الواردين عليها مع علمهم بأنها أزكى وأجمل بقعة في الأرض وأن ما يدور فيها لا يكون إلا في منتهى الرقي، ولو كانت الصلاة اختياريه فإنك لا تكاد تجد أحدا يصلي.
وهذا كله لاتباع هوى النفس الذي رغب الله في مخالفته وجعل الجنة عاقبة له فقال: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}(40-41) سورة النازعات. فزمام الأمور بيد الإنسان هو من يكبح هوى نفسه وهو ذاته من يفلت لها العنان.
والشاعر يقول:
والنفس راغبة إذا رغبتها
وإذا ترد إلى قليل تقنع
- إبراهيم الأخضر بن علي القيّم