البيئة التشكيلية مصدر لإنبات أجيال شابة متوالية تنتظر الدعم والفرص ">
كتب - محمد المنيف:
لم نعد في خوف من توقف مد الإبداع التشكيلي واستمرار حضوره كما كنا في السبعينات التي لم يكن أعداد الفنانين التشكيليين في المملكة يعدون على الأصابع، من بينهم من سبق هذا التاريخ بجهودهم الخاصة في إقامة المعارض إلى ان انطلق أول معرض في المملكة بتنظيم الرئاسة العامة لرعاية الشباب عام 76م.
واليوم الساحة التشكيلية تتزاحم فيها الأعداد ممن يحملون الدرجات العليا في تخصص الفنون والتربية ممن تلقى محاضرات وتدريب في مجال تنفيذ الأعمال الفنية، أو ممن يمتلكون المواهب ويكتسبون الخبرات من خلال الاطلاع على ما يقدم على المستوى المحلي والعالمي، مرورا بالخليجي والعربي، فوسائل الاتصال وسبل التعلم تجاوزت المراسم والورش إلى ابعد في المسافة والقدرات عبر ما يقدم في الأفلام التعليمية على ( اليوتيوب ) لأساتذة الفنون تمنح المتعلم الفرصة التي كان يفتقدها من سبقوه ممن لم يتلقوا التعليم المتخصص إلا ممن أتيحت له الفرصة في معهد التربية الفنية الوحيد الذي جمع فيه رواد الفن العربي، وكان نتاجه فئة مبدعة أسست نشأة الفن التشكيلي السعودي ( المحلي).أعود للواقع الحالي الذي نسعد فيه بكل معرض يقدمه أحد من الشباب الذين يمتلكون الموهبة الصادقة الحقيقية وليست الهواية التي تذوب مع الزمن، شباب لماح يعرف كيف يتعامل مع هذا الزخم من التجارب التي تصلنا من كل حدب وصوب منها الصالح ومنها غير المناسب لثقافتنا، زخم من الاتجاهات والأساليب وسبل التنفيذ، منها ما يرتقي بذائقتنا ومنها ما يصدمها.
ومع ذلك المبدعون الشباب يتكاثرون ما يتيح للساحة إبقاء الجيد وإغفال المتسلق، فالتجربة إذا ظهرت للجمهور أصبحت ملك المتلقي خصوصا النقاد الفاحصين والمتفحصين الفارزين للأعمال الجيدة التي يستشرف بها ومنها مستقبل الفنان في الاستمرار أو توقع التراجع.
وفي الفترة الأخيرة طالعتنا الساحة بالعديد من المعارض وستطالعنا قريبا ودائما بالكثير منها الشباب وشابات مع ان الغالبية التي سادت الساحة هن التشكيليات الذين لم يكن لهن حضور في بداية نشأة هذا الفن عالميا أو محليا إلا متأخرا، ومعارض تعني الخطوة الأولى لأي شاب فهي المحك الحقيقي لمستقبل تجاربه خصوصا انها الأصعب في مسيرة أي شاب ومفتاح باب مستقبله الفني، فإما ان يكون قوي الإرادة حريصا على الاستزادة وسماع الرأي ( ممن لهم تجارب فنية يستحق أصحابها ان يستشاروا )، فليس كل من على الساحة حتى من أصحاب الحضور المبكر يمكن الاستفادة منهم، فتجارب بعضهم لا زالت مكررة، باقون على ما عرفوا به، دون تطوير، في الوقت الذي يبحث فيها أمثالهم عن الجديد دون إخلال بما امتلكوه من خبرات).
نعود للاستبشار بتجارب أجيال جديدة يهمها هوية فنونها، تحرص على ان تكون رسولا لحمل إبداع بيئتهم بأسلوب معاصر، دون السماح لأي تأثير أو توجيه من ثقافات خارجة عن واقعنا وقد تكون ضده، ممتلكين الموهبة، وقادرين عل تطويرها.
واليوم أيمكن لي ان أشير إلى معارض أقيمت وأخرى طور الإعداد لشباب يستحقون الإشادة مع انتظار جديدهم الذي يمكن النقاد من ان يقولوا ان هؤلاء بالفعل يستحقون صفة الفنان. فقد شاهدت معرض التشكيلية مها العسكر وقدرتها في تكوين اللوحة دون ما يحيط بها من زخم الألوان التي ترهق الناظر أكثر مما تخدم العمل، فاللوحة التي بها طفل باللون الأزرق هي ما أتوقع انها الأقرب للتجربة التي تمنحها بعدا أكثر من غيرها. كما أشاهد في أعمال بكر عبد السلام من ديناميكية الخطوط وحيويتها في اللوحة ومحاولة مزجها بالشكل الثابت الذي يبرز أحيانا كرأس حصان أو وجه امرأة مؤشر لخطوة قادمة يحتاج فيها إلى التروي والعمل بهدوء، فالإنتاج السريع المتتابع لا يمنح الفنان القدرة على اكتشاف الضعف أو القوة في أعماله.
أما الفنان ماجد المفرح فقد أقنعني بأن ما خرج به من تجاربه الطويلة عائد إلى علاقته بالسجاد ( والده تاجر سجاد)، فرض عليه الاستلهام وتسجيل إيقاع الألوان والخطوط في عقله الباطني دون اختيار فانطبعت على لوحاته، ففي لوحاته ملامح وإشارات ورموز لا تمل وقد تطالب المشاهد بالعودة مرات إلى البحث في أعماق اللوحة.. هذا الزخم وهذا الاندفاع قد يمكن الفنان من استخلاص شيء ما من الأشياء المتزاحمة في اللوحة.
محمد الشنيفي في الفن الرقمي جميل يميل إلى السيرياليزم ينتقي عناصر لوحاته من الواقع ويمزجها بتقنياته الرقمية، فيجمع بين الصورة والتكوين الزيتي، يحمل إحساسا جميلا، لكنه يواجه مشكلة الموضوع التي يمر بها كل فنان، الحيرة بين ما يرضي المشاهد أو يحقق شعور الفنان، فتنوع الموضوعات وتعددها بين أعمال تستحق الإعجاب متكاملة البناء والفكرة وأخرى اشعر انه نفذها لإكمال عدد. ونختم بالدكتور قماش ال قماش الذي احتفل الجميع بحصوله على درجة الدكتوراه واقامته معرضه الخاص بالرسالة والذي نفذه رقميا،، لن نتحدث كثيرا عنه بقدر ما نبارك له ما حققه من درجة علمية وننتظر القادم الذي سيكون فيه أكثر تفرغا وبحثا في مجال الفن ( تنفيذا في مرسمه أو من خلال برامجه الرقمية) بعد مشوار المحاضرات النظرية، المعرض ضم مجموعة تنوعت فيها الموضوعات والخبرات في برامج الفن الرقمي.
هذا التجدد والحضور المتتابع من جيل تلو جيل يحتاج إلى نظرة من الجهات الرسمية وفي مقدمتها وزارة الثقافة والإعلام للاهتمام بهم ودعمهم وتهيئة الفرص لهم لتطوير تجاربهم.