الكويت - (الجزيرة) - طلال الظفيري:
اختتم مهرجان ربيع الشعر العربي في دورته التاسعة الذي تقيمه مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية في دولة الكويت الشقيقة أعماله مساء يوم أمس الأول الثلاثاء (29-3-2016) على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي، حيث عقدت ندوة عن الشاعر الكويتي الراحل سليمان الجار الله وأمسية شعرية، وتحدث فيها كل من نجل الراحل سليمان الجار الله، خالد الجار الله نائب وزير الخارجية الكويتي، ود.عبد المجيد فلاح وأدارتها الدكتورة سعاد عبد الوهاب عميد كلية الآداب في جامعة الكويت.
في البداية شكر خالد الجار الله مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية وراعيها الشاعر عبد العزيز سعود البابطين على هذا الاحتفاء بالشاعر الراحل سليمان الجار الله ثم قال: والدي رحمه الله من مواليد العشرينيات من القرن الفائت، وتعلم في مدرسة المباركية التي درس فيها معظم أبناء الكويت من الرعيل الأول، وفي الأربعينيات بدأ عمله التجاري في محل للعائلة في شارع المباركية وهو شارع الملك سعود بن عبد العزيز حاليًّا، وأضاف: كان والدي رحمه الله ودودًا للغاية، وقورًا، حنونًا، طيبًا، بارّاً بأهله، كثيرًا ما كان يُفاجئنا بالرد علينا في المنزل ببيت أو أبيات من الشعر يرتجلها بحسب ما يقتضيه الموقف.
وأكمل خالد الجار الله: عاش والدي يرحمه الله محبًّا وعاشقًا للشعر، كان يأتي له الإلهام الشعري فجأة فيمسك بأي ورقة مهما كان حجمها أو لونها أو شكلها ليدون ما جال في خاطره، وكان ينأى بنفسه في المنزل ليدوّنها ويصوغها بأجمل القصائد, عاش كما الأطفال شفافًا محبًّا لكل ما هو جميل، ممتنًّا لكلِّ عمل وفعل طيب، وكان حسّاسًا لأبعد الحدود.
أما دموعه يرحمه الله فكانت تنهمل أمام أي موقف عاطفي بسيط.. يسمع خبرًا طيبًا فتدمع عيناه، ويبكي بمرارة على فراق الأحبة ورحيلهم.
وكان يرحمه الله، عندما يكون على أبواب ميلاد قصيدة؛ يحاول أن يكون معنا؛ ولكننا كنا نستشعر أن هناك شيئًا ما وأنه معنا جسدًا، يحاول أن يجمعها ويسوق أبيات شعر متناغمة، فينتهي المخاض، وتولد قصيدة من قصائده الجميلة وكان غالبًا ما يخفي أشعاره الغزلية الرائعة ويتوارى وراء حياء أبوي ليخفي تلك الأشعار عن أبنائه.
وتابع خالد الجار الله: كان والدي شاملاً في شعره، لقد أعطى الوطن جلَّ اهتمامه فقد أحب الكويت محبة كبيرة جدًا لا يضاهيها محبة، وأعطى النصح جانبًا مهمًّا من شعره. وكان لا يقبل ولا يرضى بأن تأتي على سيرة أي شخص بسوء.
وقال الجار الله: تبقى الكلمات من جانبي قليلة في حقه. وشهادتي فيه مجروحة؛ فهو الوالد والمعلم والأستاذ، وأتشرف بحمل اسمه، وأشعر بالفخر والاعتزاز بشعر الوالد رحمه الله وما كان يتمتع به من موهبة رائعة تجلّت في مئات القصائد وهي جميعها من الشعر العربي الفصيح الموزون والمقفى ذي الشطرين.
وكان في كثير من المناسبات يرتجل الشعر ويأتي به عذبًا رقيقًا صحيح الوزن. وكان رحمه الله حافظًا للعديد من القصائد من مختلف العصور والأزمنة .. وكانت تنشر له العديد من القصائد في الصحف والمجلات الأدبية.
وكانت له علاقات وطيدة مع العديد من الشعراء الذين عاصرهم وأجرى معهم مطارحات شعرية جميلة، والجزء الخامس من ديوانه يتضمن الكثير من هذه القصائد. في شعره نرى الكلمة الصادقة المعبرة التي تمس شغاف القلوب.
واختتم خالد الجار الله بالقول: رحم الله والدي ابن الكويت، الذي أحبها حبًّا طاول نجومها، فبادلته حبًّا حانيًا، واحتضنته رفيقًا حنونًا في ثراها الطاهر.
بعد ذلك تحدث الناقد الأكاديمي د.عبد المجيد فلاح ضمن ورقة قدمها عن الشاعر الراحل سليمان الجار الله بعنوان «الغزل عند الشاعر الكويتي سليمان الجار الله» فقدم نبذة مقتضبة بيّن فيها مكانة المرأة في الأدب العربي، وأنها كانت محطّ اهتمام الرجل على مر العصور، ثمَّ عرّف الغزل، وبيّن أنواعه في الأدب العربي.
بعد ذلك جاء الباحث بالدواعي التي جعلته يقدم على هذا البحث، فذكر مكانة الشاعر بين أقرانه، وسعة اطّلاعه على دواوين الأدب العربي عامّة، والغزل خاصّة، وكيف كان يمرُّ بنا هذا الشاعر الكبير عبر العصور مع شعراء الغزل، وكيف كان يختار من أساليبهم أرقاها.
وذكر د.عبد المجيد فلاح الملامح العامّة في غزل الشاعر بعد أن توفّر على قراءة ديوانه الشعري بمجلداته الخمسة، ثمَّ ربط الظواهر الغزلية عند الجار الله بقريناتها عند غيره من الشعراء عبر تاريخ الأدب العربي، وقام الباحث بتقسيم الملامح العامة في غزله إلى قسمين رئيسين؛ ملامح حسيّة جسدية، وملامح نفسية وجدانية.
وتحدث الباحث عن ملامح الغزل عند الشاعر، وكيف أنه نحت تمثالاً جسّد فيه المحبوبة، فاختار لها لون العيون والخدود، وشكل الأهداب، وحركة القدِّ ودقّة الخصر، ولون الأسنان والشعر، وكيف أنه أبدع في وصف ذلك الإبداع كلَّه، مؤكداً جمال محبوبته التي راح مرّة يشبهها بالغزال، ومرة أخرى يشبّه الغزال بها، فأخرجَ لنا وصفاً تعدّى الخيال.
ثم انتقل الباحث إلى وصف الملامح النفسية في غزل الشاعر، وكيف أن الشاعر ذكر الوشاة والعذّال، وشجو الحمائم، ووصف العاشق وما يقع له من صدٍّ وهجر، وما يتناوب عليه من أسى ويأس، وما يُصاغ له من وشايات تعترض سبيله وتمنع وصوله إلى معشوقته، وما يكابده من ألم الفراق، ويعيش فيه من أمل اللقاء، والشاعر في هذا لا يعرض لرسم جسد المحبوبة بصورة مادة مفصّلة، وهو ما يجعلنا لا نكاد نختلف في نسبته إلى شعراء بني عذرة.
ومن الملامح النفسية والوجدانية في غزله ما ذكره الراحل عن الطيف والخيال والحلم، والوصل والوصال، والرسول إلى المحبوبة، ومدى وفائه لها، وكيف أن المعشوقة هي من تتوسل العاشق وتطلب منه الوصال، ورسم لنا مخاطرة المحبوبة للوصول إليه، وطلبها من الشاعر أن يتغزّل بها، ومن ذلك أيضاً ذكرُهُ للشيب والشباب، ونظرته النفسية إلى أنَّ الشبابَ هو شبابُ النفس وإن شاب الجسد، ولم يبخل علينا الشاعر بنصائحه في وصف موقع الشيب من قلوب النساء، وإدبارهنَّ عن الرجل إن أدبر ماله وشبابه، وأنهن لا يحببن إلا القوة والشباب والثراء.
ثم ذكر الباحث شيئاً من الملامح البيانية في غزل الشاعر ذاكراً الاقتباس والتضمين، وبيّن من خلالهما سعة اطّلاع الشاعر على دواوين الأدب العربي عامّة من جهة، وعلى عمق صداقته للشاعر الأستاذ عبد العزيز البابطين من جهة أخرى.
وأخيرًا أوجز الباحث بعض السمات الفنية لغزل الشاعر الجار الله من حيث الألفاظ والعَروض، فبيّن سهولة ألفاظه، ورقّة معانيه، وبُعده عن الغرابة والتقعّر، وأن جملته الشعرية اقتربت من لغة الكلام العاديّة، وفي ذلك عذوبة ولذة في المزاج، وبيّن الباحث استخدام الشاعر للأوزان العروضية الخفيفة من مثل البحر السريع والخفيف والرمل والمتقارب، وأن الشاعر كان يكثر من تجزئة البحور وتقصيرها، ما جعل شعره سهلاً للغناء، يحمّله ما شاء من ألحان وإيقاعات.
وقال الباحث د.عبد المجيد فلاح: في الختام يحق لنا القول إن الشاعر سليمان الجار الله عرف مذاهب الغزل كلّها، وأخذ منها كلَّها، وكانت له بصمته الخاصة، وإن كنّا في الغالب لا نعلم هل شعره يعبّر عن تجربة ذاتيّة مرَّ بها، أم أنه نقل لما يدور في نفسيته من خواطر الشعراء وأخيلتهم، أو نقل لما يمرّ به أصحابه وخلّانه من تجارب عاطفية صادقة حاول شاعرنا أن يصورها لنا.