مما أنعم الله به على بلادنا وجود رجال أخيار يتنافسون في فعل الخيرات كسبا لمرضاة المولى جل وعلا، وكل واحد يحرص جدا على أن تكون أعماله خفية ولا يسمح إطلاقا لأحد أن يتحدث عنها، لكن أرى من الواجب أن تنشر بعد مماتهم لتكون نبراسا للأجيال بعدهم. ومن أولئك الرجال الأفذاذ الوالد الشيخ سليمان بن محمد الرشيد - رحمه الله.
نعم، لم أتشرف باللقاء به إلا أربع مرات فقط، لكن سبرت من خلالها بعضا من طريقته في الأعمال الخيرية ما يصلح أن يكون أسسا في العمل الخيري، منها:
1. حرصه التام وتدقيقه الشديد على معرفة القائمين على العمل الخيري ومدى استحقاقهم للثقة، فإذا تأكد ذلك أصبحت يده مبسوطة لدعمهم في عملهم وتشجيعهم فوق ما كانوا يؤملون.
2. حرصه الشديد على أن يكون العمل الخيري ذا نفع مباشر أو مستمر لأصحاب الحاجات، فإذا تأكد من ذلك ومن القائمين عليه تجده مقداما ومنافسا للتكفل به جميعا مهما كانت تكاليفه. أذكر أنه لما زار - رحمه الله - منطقة أتشيه في الأسبوع الأول من حادثة تسونامي وسمع عن حرص بعض الجمعيات الغربية على كفالة الأطفال اليتامى بالمنطقة، قال للوزير الإندونيسي المسؤول عن إدارة الأزمة خلال لقائه أنه مستعد لكفالة جميع الأطفال اليتامى مهما بلغ عددهم حتى وإن تجاوزوا عشرين ألفا، وأنه مستعد أن يؤمن لهم السكن والإعاشة والدراسة وجميع مصروفاتهم حتى تخرجهم من الثانوية العامة على شريطة أن يكون ذلك خارج منطقة المصيبة خوفا عليهم. وعندما سأله أحد مرافقيه: كيف ستدير مثل هذه الملاجئ يا شيخ سليمان؟ قال سيعينني الله جل وعلا. ثم التفت لأحد مرافقيه قائلا له: أنت من سيقوم بإدارتها وسأطلب من مرجعك تفريغك لذلك، وإن اعتذروا فإني وبحكم كوني كوالدك سنقدم استقالتك وتتفرغ لذلك وسأمنحك راتباً مضاعفاً ثلاث مرات من راتبك الذي تستلمه.
3. من منهجه المسارعة إلى إغاثة المنكوبين. ففي حادثة تسونامي اتصل علي في الأيام الثلاثة الأولى من الحادثة مفيدا أنه سيقدم لمواساة المنكوبين مع أن عمره في ذلك الوقت جاوز 85 عاما. وذهب إلى آتشيه وجلس فيها ما يقارب عشرة أيام في كل يوم هزات إرتدادية والحياة في المنطقة شبه منعدمة لا يتحملها الشاب الجلد فكيف بطاعن السن لكنها عزيمة الصادقة المحتسب وعندما رجع من مهمته في إندونيسيا وما هي إلا فترة قصيرة حتى حدثت الزلازل في المناطق الباكستانية، وفي ثاني يوم من الحادثة اتصل بي طالبا أن أشاركه بذلك فاعتذرت منه لعدم معرفتي بتلك الدولة، وإنها ليست من نطاق عملي لكني أشرت عليه أن يتواصل مع شيخي الفاضل/ محمد الدوسري مدير مكتب الدعوة في باكستان فهو خير من يستعان به فبادر بالاتصال به والترتيب معه وسافر فورا، فسمعت من الشيخ الدوسري العجب العجاب عن عزيمة وصبر الشيخ سليمان رغم عظيم المشقات لسوء الطرق، كما سمعت من الشيخ سليمان بعد ذلك الثناء البالغ على الشيخ الدوسري. كما أنه مبادرا للنكبات فإنه كان - رحمه الله - مبادرا لتلمس حاجات الفقراء، أذكر أنه أيام عملي في الشؤون الدينية في سجون الشرقية كان دائما يطلب أسماء أسر السجناء ويخصص لهم المساعدات. وعلى حسب علمي أنه كان مستمرا على ذلك.
4. اهتمامه البالغ أن يتولى العمل بنفسه رغبة في الأجر رغم كبر سنه، كما اتضح فيما مضى. فإذا وثق بالقائمين على العمل الخيري فإنه يوكل لهم المهمات للمساعدات التي يرى تقديمها في مناطقهم، فيبادر بالاتصال بهم لأجل ذلك. أذكر أنه لما حدثت الفيضانات في جاكرتا بعد حادثة تسونامي بفترة اتصل مبادرا بأحد الإخوة وأخبره أنه حول له مبلغا من المال لإغاثة المصابين.
5. حرصه في النكبات الكبيرة أن تكون مساعداته نقدية فقط يسلمها للمحتاجين مباشرة. ففي حادثة تسونامي وزلزال باكستان كانت هذه طريقته. وعندما سأله أحد مرافقيه: يا شيخ سليمان، ألا ترى نشتري موادا إغاثية لتوزع، قال: لا، إنما نسلمهم نقدا، فهناك نساء لها حاجات خاصة ربما لا توفرها الحملات الإغاثية، كما أن المبلغ النقدي يساعد رب الأسرة على البدء في إعادة إصلاح منزله أو أن يستخدمه لأمر ضروري يعينه على الخروج من مصيبته أو التعفف منها على الأقل. وكان يدفع بسخاء ولجميع المصابين. أذكر أنه لما قدم لإغاثة المصابين في أتشيه كان معه ضمان والتزام بالدفع من أحد البنوك السعودية الكبرى لعميله أحد البنوك الكبرى في إندونيسيا يطلب فيه تسليم الشيخ سليمان الرشيد أي مبالغ يطلبها مهما كانت.
6. حرصه الشديد على التخفي في العمل. حاول الإعلام الإندونيسي أن يظفر بلقاء أو تصريح أو تصوير لفضيلته - رحمه الله - فكان يرفض رفضا مطلقا ويمنعهم من أي تصوير وهو يقدم المساعدات.
7. عدم المجاملة في تقديم المساعدة إذا لم يقتنع بالحاجة و أنها ليست من الأولويات للفقراء مهما كان الشخص الذي طلب منه تقديم المساعدة. أما إذا اقتنع فهو بحر لا نهاية له في الدعم.
وكما أنه لا يجامل في تقديم المساعدة فإنه لا يجامل إطلاقا في توضيح مد الحاجة والأولوية للمسئولين وقد أسرَّ لي - رحمه الله- أنه في إحدى زيارات الأمير سلطان - رحمه الله - للمنطقة الشرقية ولقائه برجالها أنه أوضح للأمير مدى حاجة بعض قرى المنطقة لمزيد من الاهتمام في التنمية، وأنها أولى من غيرها في ذلك لأن الخيرات تخرج منها أو قربها.
فسر الأمير -رحمه الله- جداً بكلامه وأعجب به وأدناه في مجلسه.
وفي الختام، أسأل الله أن يغفر لشيخنا؟، وأن يرفع درجته في عليين، وأن يبارك في عقبه إنه سميع مجيب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم.
إبراهيم بن سليمان النغيمشي - الملحق الديني في جاكرتا