إبراهيم الطاسان ">
الأحداث التاريخية دروس لمن يعي دورها في كشف مستقبل الأيام، ولا يعي هذه الدروس إلا من منحه الله القدرة على توظيف دروس التاريخ لفهم أهداف الحاضر، ثم استشراف آثار أهداف الحاضر على المستقبل. حينما أطلقت عبارة الفوضى الخلاقة، ولم تبين أي خلق سيتولد عن الفوضى. فانحصرت معانيها في حينها على الفوضى التي سادت أرض السواد (العراق) وأنه سيتخلق عن تلك الفوضى دولة المؤسسات والمساواة والعدل. ولكن الأيام تمخضت بحمل سفاح، فاستدرجت الحكومات المتخاصمة مع شعوبها الشعوب إلى ما سمي بالربيع العربي فصفق لها الشرق والغرب لأنها كما رأوها براعم نبتت من جذر الفوضى الخلاقة.
وكانت أرض الكنانة مصر العربية هدف الرماة، ببذر بذور الفوضى الخلاقة لولا لطف الله أولاً وأخيراً ثم الموقف الصارم بحزم رجال الحزم، بموقف تدارك مصر من الانزلاق في وحل الفوضى الخلاقة كما سميت. ولو نظرنا إلى خارطة ما يسمى بالعالم النامي أو العالم الثالث، لوجدنا خارطة العالم العربي فقط هي المستهدفة بالفوضى الخلاقة. فالعراق منذ العام 1990م وهو من حالة سيئة إلى ما هو أسوأ بإطلاق النعرة الطائفية المقيتة، تحكم قراراه المليشيات محكومة من خارجة، ليبيا تكاد تلحق بالعراق، ولإحكام الحلقة.
ظل من أطلقوا عبارة الفوضى الخلاقة متفرجين بانتظار اكتمال اقتسام الغنيمة بعد نحر اليمن.. إلا أن الضمير اليقظ يحسن التصرف بالحكمة وبعد النظر فستحضر دروس التاريخ ليرى ما نتج عن البرامكة ودويلات الأندلس ليوظفها في رؤيته للمستقبل ليرى مستقبل خارطة الوطن العربي كيف ستصبح، ربما كنتونات متصارعة خائرة القوى والإمكانات. فأدرك أن مالم يستدرك اليوم فلن يدرك غداً. أدرك أن الفوضى الخلاقة تستهدف هدم بنيان الأمة العربية أولاً لما لها من مكانة بين المسلمين، فتنكسر شوكتهم. وتقل حيلتهم ويتفرق جمعهم وتخور عزيمتهم ويرغموا على الرغبة عن دينهم. وقد تبين أن معاول الهدم من داخل الأمة، ممن باعوا الضمير والأوطان ممن فقدوا مكارم أخلاق الرجال الذين إن وعدوا وفوا، وإن استثيرت نخوتهم ثاروا، فكان لابد مما ليس منه بد.. لابد من التصدي للفوضى الخلاقة، ولأصح ( الحلاقة) لاشك أن عاصفة الحزم، ولو لم تكن غايتها إشعال جذوة النخوة وصقل ما بهت من مروءة العربي.
عاصفة الحزم كما أراها رسالة واضحة للتصدي لأهداف الفوضى الخلاقة للفوضى التي تستهدف مستقبل وحاضر الأمة العربية.. ولا شك أن الإعداد بما يتناسب للمواقف أمر شرعه الله {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم..} الآية. وما مناورات رعد الشمال، ومن قبلها الحلف الإسلامي لمحاربة الإرهاب أينما كان من بلاد المسلمين. ما هي إلا من الإعداد بما يتناسب للمواقف.
فواقع الحال الملموس أن الأمم تنافقنا بقولها شيء والعمل عكسه.. فالموقف الأمريكي المتخاذل تدرج بالنزول من الإقرار بضرورة رحيل الأسد لمصلحة سوريا والسوريين، مع رفض تزويد المقاومة بما يلزمها من الأسلحة، حتى وصل الموقف الأمريكي إلى مرحلة التواطؤ الصريح مع الروس بحق الشعب السوري، وعلناً يعلنوا أنهم مع الشرعية اليمنية، وسرا يهتمون بمصير الحوثي ولو ليكون له ظفر معطل كظفر حزب الشيطان في لبنان، والحوثية قلة محكومة بالجهل والجهلاء، ولكن للمثل العربي القائل (من أجل عين تكرم مدينة). متبنو الفوضى الخلاقة سيسعون لتمزيقنا ولن يتوقفوا عن سعيهم بطريقة أو أخرى، ولكن ما دام فينا سلمان الحزم وكلنا من ورائه سلمان، الذي أيقظ ضمير الأمة وأشاع فيها بوارج الأمل، ونفض عنها غبار الاتكال على الغير.
فقد حان احتضار الفوضى الخلاقة.. لاشك أن كسب نصف المعركة يتم قبل أن تبدأ إذا عرفت خطط وأهداف خصمك. ولا شك أن ما تم من حلف إسلامي أعد له ليكون كما يجب أن يكون دليلاً على معرفة أهداف الآخرين نحونا.. أخيراً أعلم أن من سيقرأ هذا المقال إن كان له حظاً بالنشر سيرمني بالإيمان بنظرية المؤامرة. وله أقرر مسبقاً نعم أنا مؤمن بنظرية المؤامرة في شأن تفتيت الأمة. فإذا كانت الشواهد الشاخصة في العراق وسوريا وليبيا واليمن. وقد نجى الله مصر، ونسأل الله أن يمكن للشرعية اليمنية وللشعب السوري والليبى صلاح الحال وأن ينصرهم على عدوهم. إذا كانت شواهد كاذبة على حقيقة المؤامرة. فأفتونا كيف اجتمعت واشنطن مع موسكو على نسق واحد من التعاطي مع إيران الكيان القائم على زرع الفتنة الطائفة والمؤامرة والتفرقة. وهي أداة ما حدث في اليمن وفى سوريا ولبنان والعراق، وليس ببعيد أن تكون وراء ما يحدث في ليبيا. وهو عمل يلتقى مع أهداف الفوضى الخلاقة.