د. أحمد الفراج
فجعت يوم الجمعة الماضية برحيل الزميل النبيل، عبدالرحمن الوابلي. وتعود معرفتي بالراحل إلى سنوات دراستنا الجامعية، بمدينة بريدة، إذ كان يسبقني بسنة أو سنتين، ثم تفرقت بنا السبل بعد التخرج، إذ اختار كلانا مواصلة الدراسات العليا خارج المملكة، ثم عاد هو ليعمل في كلية الملك خالد العسكرية، وأنا في جامعة الملك سعود، وبعدها بدأ نجمه يبزع في الكتابة الصحفية، والمشاركة في كتابة حلقات من برنامج طاش الشهير، ثم سيلفي، ولم تكن كتاباته عادية، إذ كان ممكناً أن تعرف أن كاتب الحلقة هو عبدالرحمن، حتى لو لم تقرأ شارة المقدمة، فلم يكن في كتاباته أسفاف، بل كانت عميقة، وموجعة أحياناً، وكانت تعالج قضايا شائكة يجبن الكثير عن الحديث عنها، تتعلق غالباً بالتطرف، وآثاره السلبية على الفرد والمجتمع، ولذا لاقى ضنكاً من المتشددين، والذين لا يعرفون طريقاً للتعامل مع الخصم إلا من خلال الفجور بالخصومة، ولكنه، وهو النبيل بطبعه، نأى بنفسه عن كل ذلك، ولم يلتفت لتلك الأصوات النشاز.
الراحل عبدالرحمن الوابلي كان عصياً على التصنيف، فلم يكن يقف مع طرف ضد آخر، بل كان تنويرياً وطنياً، متسامحاً مع الجميع، ينتقد ما يرى أنه يستحق النقد، إذ كتب سيناريوهات تنتقد السلبيات في كل أطياف المجتمع، ولي مع الراحل حكاية مؤلمة، فقد كتبت قبل سنوات مقالاً، وذلك رداً على الزميلة الكاتبة، بدرية البشر، ولأن الموضوع كان ذا حساسية، فقد شارك بعض الزملاء الكتاب في النقاش، وكان من ضمنهم الراحل، والذي كانت مقالته عبارة عن نقد لطرحي، ولأني أعرف مقدار نبله، وصدقه، فلم أرد على مقاله، وبدلاً من ذلك، تواصلت معه، وربما أنه كان يعتقد أنني كنت سأعاتبه، ولكنني وجدتها فرصة لتجديد الصداقة، وشكره على الإدلاء بدلوه في الموضوع، ثم ألح على أن نلتقي، وقد وعدته بذلك، وفي السياق ذاته، فإن أخي الأكبر، عبدالله الوابلي، شقيق الراحل عبدالرحمن، كان، ولا يزال يزودني، أنا وبعض الزملاء، ببعض الأطروحات الفكرية، وكان أيضاً، يلح عليَّ بزيارته، ولقائه مع أخيه الراحل عبدالرحمن، وكنت دوماً أعده، ولكن لا تسمح الظروف بذلك، وقد كنت - حقاً - أنوي زيارتهما خلال الفترة القريبة القادمة.
عندما بلغني نبأ رحيل عبدالرحمن، شعرت كأن الدنيا دارت بي، ولم يكن في مخيلتي إلا فداحة رحيل زميلي النبيل، قبل أن يتحقق اللقاء المرتقب بيننا، وشعرت، ولا زلت أشعر، بذنب عظيم، لا يمكنني وصفه، إذ إن فاجعة الموت تأخذنا على حين غرة، دون أن نتمكن من تحقيق بعض أمانينا، والآن، وقد أصبح رحيلة حقيقة واقعة، فإنه لا يسعني إلا أن أدعو الله العلي القدير أن يغفر له، ويرحمه، ويجمعنا به مع من نحب في جنته، فقد عاش حياته دون أي خصومات مع أحد، وكان وطنياً صادقاً، يؤمن بأن بعض الأمراض لا يمكن علاجها إلا بالكي، ولئن كان كل محبوه حزينون على رحيله، فإن حزني مضاعف، إذ إنه رحل قبل أن يتم لقاؤنا المؤجل منذ سنوات، ولم يدر بخلدي أبداً أنه لن يحدث. وختاماً، أقدم خالص التعازي والمواساة لأخي، عبدالله الوابلي، ولابنه يوسف، ولكل أشقاء الراحل وشقيقاته، وأسرتهم الكريمة، ومحبيه في كل مكان.