إبريل سيؤسس أول بداية عملية بين منتجي النفط للسيطرة على فائض المعروض ">
الدمام - فايز المزروعي:
أكد مركز السياسات النفطية والتوقعات الاستراتيجية أن الاجتماع النفطي الموسع المزمع عقده إبريل المقبل سيؤسس أول بداية عملية جماعية بين المنتجين من داخل أوبك ومن خارجها؛ للسيطرة على فائض المعروض النفطي، الذي سيعطي بدوره جرعة إيجابية لتعافي السوق النفطية.
وأوضح المركز في تقرير أصدره حديثًا، وخص به «الجزيرة»، أنه من المحتمل بعد عقد هذا الاجتماع ظهور مستويات جديدة من أسعار النفط التي قد تصل إلى مستويات غير مسبوقة في الصعود خلال العام الجاري، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن أسعار النفط ما زالت تُعتبر في الوقت الحالي في طور الصعود التذبذبي؛ وذلك لوجود مؤشرات التعافي الإيجابية للأسعار.
توقعات الأسعار وصحتها
وفيما يخص توقعات الأسعار قال رئيس المركز الدكتور راشد أبانمي لـ»الجزيرة» إن العبرة ليست في صواب توقعات الأسعار التي هي بالطبع مؤشر مهم بصحة التحليل، وإنما الأهم هو في استيعاب مدلولات الأحداث والوقائع، وتطلعات اللاعبين الرئيسيين ومواقفهم السياسية والاقتصادية والعسكرية والنزاعات والأحداث المصيرية التي تتجاذب اللاعبين الأساسيين. فالتعامل مع سلعة استراتيجية كالنفط يجب أن ينطلق من نظرة تحليلية واعية غير مختلة أو مرتبكة من بعض الظروف العرضية الهامشية، بل تركز على ما ينتج من تفاعل الظروف الأساسية، وتأثيرها على اللاعبين الأساسيين؛ وبالتالي يتبنى على ضوئها نظرة متزنة ونتائج صائبة لما يتوقع من تلك التفاعلات؛ إذ كان اجتماع اللاعبين الأساسيين للأسواق النفطية في فبراير الماضي المؤشر الإيجابي للأسواق النفطية بالارتفاع الحذر، وسيعقبه اجتماع موسع في شهر إبريل المقبل، الذي سيؤسس أول بداية عملية جماعية بين المنتجين من داخل «أوبك» ومن خارجها للسيطرة على فائض المعروض النفطي، الذي سيعطي جرعة إيجابية لتعافي السوق النفطية؛ إذ من الممكن أن نشهد مع ذلك مستويات من أسعار النفط الجديدة التي قد تصل إلى مستويات لم يشهدها العام الجاري.
السعر العادل للنفط
وحول التساؤلات الكثيرة عن السعر العادل للنفط، وتعدُّد التصريحات الدولية في هذا الشأن، ذكر الدكتور أبانمي «يقودنا الجواب عن هذا السؤال العميق والمتشعب سياسيًّا واقتصاديًّا بأن ننطلق من مفهوم أساسي لطبيعة النفط حتى تتضح الصورة لنا، وهي أن النفط هو الجزء الأهم في الاسـتـراتيجيـة الجيوسياسيـة العالمية؛ فأسعاره وإمداداته من القضايا ذات الأسبقية التي توليها جميع دول العالم جل اهتماماتها، ومتعلقة بأمنها الاقتصادي والصناعي والاجتماعي والسياسي والعسكري؛ ما يميز سلعة كالنفط، وأسعاره صعودًا أو هبوطًا بحساسيتها المفرطة، نظرًا للتقلبات في العرض والطلب في الأسواق النفطية العالمية. فالنمو الاقتصادي العالمي مرتبط ارتباطًا ملازمًا بنمو الطلب عليه؛ وبالتالي أسعاره التي تعد من جل اهتمامات الدول المستهلكة، وهي في الغالب المسيطرة سياسيًّا وعسكريًّا، وكذلك من جل اهتمامات الدول المنتجة التي يقوم اقتصادها بشكل مباشر على الإيرادات النفطية من كمية الإنتاج وتصدير خام النفط، أي أنها بدورها تعتمد على عوامل محورية تحدد أسعار النفط، وهي: الطلب العالمي على النفط، وحالة الاقتصاد الدولي، وحجم الإنتاج، والحصص التقديرية لمنظمة أوبك. فلا شك أن الدولة المتزعمة عالميًّا أي الولايات المتحدة الأمريكية لها نظرتها في الاقتصاد العالمي، كما لها نظرتها في السياسة الدولية والأحلاف العسكرية ونفوذها العالمي. وقس على ذلك». وأضاف «أما السؤال عن اصطلاح السعر العادل للنفط فهو في الحقيقة سؤال مهم، ولكن - للأسف - إلى الآن لا يوجد له ترجمة فعلية على أرض الواقع، ولم يتم تحديد مستوى ثابت له نظرًا لصعوبة الوصول إليه من خلال المعاملات أو الاتفاقات بين الدول المنتجة والمستهلكة، نظرًا لتفاوت القوة بين الطرفَيْن. فالمنتجون في الغالب من الدول الصغيرة النامية، والمستهلكون من الدول المتقدمة القوية صاحبة النفوذ الاقتصادي والسياسي، بل العسكري، وسعيها الحثيث إلى تحقيق مكاسب حتى لو كانت على حساب الطرف الآخر الضعيف، أي الدول المنتجة. فهناك تفاوت بين السعر الجاري المنخفض جدًّا والسعر العادل للنفط. وحتى بعد الانخفاض الكبير في السعر لم تطالب أي دولة مستهلكة برفع سعره إلى قيمته العادلة تجنبًا لإلغاء العديد من المشاريع النفطية في الدول المنتجة وما قد يحمله ذلك من آثار سلبية على حجم العرض في المستقبل القريب، نظرًا لعزوف الدول المنتجة عن الاتثمار في القطاع النفطي، وتطويرهم لحقولهم النفطية المكلفة لقلة الواردات المالية التي بالكاد تلبي حاجاتهم الأساسية الأخرى نظرا لاعتمادهم الكلي على وارداتهم المالية من بيع النفط، وجعل بعض الدول المنتجة تبيع نفطها بأقل من تكلفته الفعلية نظرًا لحاجاتهم الملحة للموارد المالية، واعتبار النفط موردًا ماليًّا فوريًّا لتلبية الاحتياجات الملحة؛ ما يعني عدم قدرتهم على الاستمرار في الإنتاج وخروجهم من السوق في القريب العاجل نظرًا لعزوفهم عن الاستثمارات في الصناعة النفطية وبنيتها التحتية العالية جدًّا، وخصوصًا بعد انتهاء الإنتاج السهل الرخيص الذي لا يتطلب استعمال التقنيات العالية المكلفة، لكنها الآن بحاجة إلى تقنيات متطورة وعالية التكلفة للحفاظ على رفع أو الحفاظ على مستويات الإنتاج لمواكبة الزيادة في الطلب العالمي على النفط حال ارتفاع النمو الاقتصادي، ولكن هذا لا يعني استسلامنا لتلك القوى الجشعة، بل يجب علينا تكوين منطلقات نؤسس عليها السعر العادل للنفط، ونؤسس الخطط على العناصر المهمة للنفط. ولا يفوتنا هنا أنه في ظل تسارع الإنتاج إلى أعلى من قدرة المكمن الاستيعابية، ومهما كانت الأسباب، سينتج منه محدودية في القدرة على الإنتاج مستقبلاً».
نظرية الذروة
وأوضح أبانمي أن الاحتياطيات النفطية تكونت عبر آلاف السنين في مكامن أو فقاعات كبيرة في باطن الأرض، وهي غير قابلة للزيادة، وتستنفد أو تنضب حال استخلاصها من مكامنها؛ لذا فالنفط يتأثر بالعوامل الفنية ووسائل الإنتاج التي تستخدم في استخراجه؛ وعليه فإن نضوب هذا المورد الطبيعي هو استنفاد الاحتياطي بعد استخراج النفط الموجود في المكمن، كما هو الحال في البحرين ودبي مثلاً اللتين كانتا من منتجي ومصدري النفط في الماضي، وتقلص إنتاجهما إلى حدوده الدنيا. والنضوب لا يعني فقط استنفاد الاحتياطي، وهو المهم جدًّا، بل يشمل هذا المفهوم كذلك ارتفاع تكاليف الاستخراج عن قيمته نظرًا للوسائل والطرق التي يتم على ضوئها إنتاجه. ففي سلطنة عمان مثلاً الماء المستعمل في حقن الآبار البترولية للمساعدة على استخراج النفط من الآبار قد بلغ امتزاجه مع النفط الآن داخل أكبر حقل في سلطنة عمان إلى نحو90 % مختلط مع النفط؛ ما يجعل الإنتاج منخفضًا، وتكلفته عالية جدًّا، كما أن بعض الدراسات تشير إلى أن الإنتاج النفطي العالمي قد بلغ الذروة، أي أنه سيبدأ في الانخفاض مستقبلاً. وبالرغم من شكوك البعض في صحة نظرية الذروة فإنها حقيقة يجب الاعتراف بها، وعدم تجاهلها أو التقليل من شأنها. فلننظر لما حولنا، وأخذ العبر. ففي كبرى الدول المنتجة للنفط كأمريكا وبريطانيا تبيّن سجلات الإنتاج النفطي الأمريكي التقليدي أنها قد سجلت منذ1970م إنتاجًا بلغ ذروته بـ9.6 مليون برميل يوميًّا، ثم بدأ بالهبوط منذ ذلك التاريخ تدريجيًّا حتى وصل خلال 2011م لحده الأقصى إلى نحو 5.5 مليون برميل يوميًّا. أما في القطاعات النفطية الأخرى التي تنقصها الشفافية، وتتحفظ على المعلومات المتعلقة بشؤون النفط، وإذا وجدت فإنها ناقصة بل متناقضة، ولا يمكن الاعتماد عليها، ولا يمكن أن يبنى عليها تحليلات دقيقة.
كيفية بيع النفط
أما عن الكيفية التي يباع بها النفط حاليًا فبيّن الدكتور أبانمي أن الجانب الفني الذي يتم به تسويق النفط يكون من خلال السوق النفطية، أو البورصة النفطية لتسويق وإجراء التعاقدات الدولية والإقليمية للمنتج النفطي. ويباع النفط العربي السعودي دوليًّا حسب اتفاقيات ثنائية، تعقدها المملكة مع الدولة الراغبة في الاستيراد. أما الأسعار فيتم تحديدها بشكل عام وفقًا لقوى العرض والطلب والزمن أو التاريخ الذي ستنفذ فيه هذه التعاقدات. وهذه القوى يتحكم فيها في المقام الأول عدد محدود جدًّا من البورصات النفطية العالمية؛ إذ توجد كبرى أسواق النفط العالمية في بريطانيا، وتعرف بـبورصة النفط الدولية IPE، ومقرها لندن، وتغطي منطقة أوروبا وآسيا، كما توجد أيضًا بورصة «نايمكس» في الولايات المتحدة، ومقرها نيويورك، التي تغطي منطقة أمريكا، كذلك توجد أسواق صغيرة ثانوية ومرتبطة بـبورصة لندن الدولية (IPE) أو نايمكس. وأشار إلى أن العلاقات التعاقدية في الأسواق النفطية لا تختلف عن مثيلاتها في أسواق السلع الأخرى، أي أنها تعتمد في المقام الأول على قوى العرض والطلب، ويتحدد من خلالها شكل وأنواع وحجم وكم التعاقدات بين منتجي النفط ومستهلكيه، ولكن وجه الاختلاف يتمثل في أن ذلك يتم بشكل عقود حاضرة أو عقود آجلة، كما يتم ذلك عادة في صورة عقود آجلة تسلم في الشهر التالي، ولا يتم تداول العقود الآجلة إلا من خلال معاملات مالية منظمة، تُسدَّد يوميًّا بناء على قيمتها الحالية في السوق، والحد الأدنى للشراء هو ألف برميل. وتأسيسًا على ذلك فإن بورصة النفط بورصة سلعية، تحكمها علاقات العرض والطلب، لتنفيذه في شكل عقود حاضرة أو عقود آجلة، كما هو النمط السائد في لغة التعاقد في الأسواق النفطية الدولية أو الإقليمية؛ ما يجعل عامل السعر وعامل الزمن المحددَيْن لنشاط البورصات النفطية. وأضاف: أما ما نشاهده يوميًّا كسعر برنت وسعر مزيج غرب تكساس فإنه - إذا جازت المقارنة - فكما للبشر بصمة وراثية فللنفط الخام أيضًا بصمة جغرافية؛ فله أنواع وخواص مختلفة، تتوقف على وزنه النوعي ومحتواه من الكبريت، وهما عاملان يختلفان باختلاف موقع استخراجه، وتصنف أنواعه، ويشار إليها بالخام الحلو أو الحامض، ويتم تسعير أغلب إنتاج النفط من إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا بسعر خام برنت، أما الأصناف الأخرى من النفط فيتحدد سعرها بعد ذلك، إما بحسم أو زيادة بحسب جودتها، ويعني ذلأن التحكم في اختيار المعيار النفطي وتحديده في سوق البورصة يأتي من واقع البلد الذي تقع فيه السوق النفطية.
وقال رئيس مركز السياسات النفطية والتوقعات الاستراتيجية: «أما المعيار المتبع في أمريكا الشمالية فهو خام وسط تكساس المتوسط، ويعني ذلك أن جميع التسعيرات والتعاملات مع الولايات المتحدة في شؤون مبيعات النفط الخام تكون وفقًا للمعيار الأمريكي، أي مقارنة بخام وسط تكساس المتوسط، ولكن أسعار الخام في بورصة نيويورك عادة ما يشار إليها بخام الخفيف أو الحلو، وقد يشير ذلك إلى أي من خامات محلية أمريكية أو أجنبية عدة، لكن الوزن النوعي ونسبة الكبريت فيها تقع في نطاق معين، كما أن مؤشر آرجوس قد أدخل منذ فترة ليست طويلة لتحديد سعر نفط خليج المكسيك، أي «الثقيل»، ولكنه مربوط بمعيار WTI. أما في بورصة سنغافورة فخام دبي يستعمل معيارًا لتسعير مبيعات خامات المنطقة الأخرى المبيعة لدول آسيا؛ ويعود ذلك إلى أن خام دبي أحد الخامات القليلة التي يتسنى التعامل فيها من خلال تعامل فوري واحد مقارنة بالعقود طويلة الأجل لخامات الخليج الأخرى، وهو الآخر مرتبط بشكل مباشر بمعيار برنت. كما أن أوبك لها أيضًا مؤشر تسعيرة، وتعرف بسلة خامات أوبك، وهي متوسط أسعار سبع خامات، منها ستة أنواع تنتج من أعضاء أوبك، وتشمل: الخام العربي الخفيف وتنتجه المملكة، خام دبي الإماراتية، خام صحارى الجزائري، خام ميناس الإندونيسي، خام بوني النيجيري، خام تياخوانا الفنزويلي، والخام السابع من غير الأعضاء في أوبك، وهو خام إيستوس المكسيكي، وهي مرتبطة بشكل أو بآخر بأسواق IPE و nymex أي بأحد المعيارين BRENT أو WTI».