صالح بن عبد الله الفاضل ">
بمناسبة صدور الموافقة على نظام الهيئة العامة للأوقاف بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 27-2-1437هـ، وكذلك انعقاد الملتقى الثالث للأوقاف بالرياض بتاريخ 5-5-1437هـ، وددت أن أذكّر الراغبين في الوقف وأحثهم على أن يكون للدعوة إلى الله تعالى نصيب من أوقافهم، فقد حظي الوقف ولا يزال باهتمام الباحثين والمتخصصين منذ القدم وذلك لدوره الهام في المجتمع ومساهمته الفعّالة فيه، كونه إحدى الصدقات الجارية التي لا ينقطع بسببها عمل المسلم حتى بعد وفاته، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، وطالما جبرت تلك الصدقات الكسير، ويسّرت العسير، ودامت بسببها الدعوة إلى الله منذ أن أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وإلى يومنا الحاضر.
وقد حث الله عز وجل عباده إلى الإنفاق في سبيله، فقال عز من قائل: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (261) سورة البقرة. وقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (245) سورة البقرة.
فما أحسن أن يكون للمؤمن أثرٌ يبقى بعد موته فذلكم الوقف. قال أنس رضي الله عنه: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأمر ببناء المسجد فقال: يا بني النجار ثامنوني فقالوا: لا نطلب ثمنه إلا إلى الله).
لقد أوقف بنو النجار أرضهم على مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكم لهم يا تُرى من الأجور العظيمة منذ أن شيّده صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. كم صُلي فيه واعتُكف، وقُرئ القرآن، وكم من صائم أفطر فيه، وكم وكم..سنين مضت خلال أربعة عشر قرناً ونيف، وسنين ستبقى إلى إن يشاء الله، لا يحصي أجورهم إلا الله، وهذه من بركات الوقف.
ويُعتبر الوقف اليوم من أهم دعامات نشر الدعوة إلى الله بعد أن جُفّفت موارد التمويل الدعوي أو كادت، بسبب شماعة الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومن أفضل ميادين استثمار الوقف ميدان الدعوة إلى الله وأكرم به من ميدان، والأمة بحاجة إلى تنويع أوقافها لسد الاحتياجات الدعوية المتاحة للاستثمار في الوقت الحاضر على النحو التالي:
1- الوقف الدعوي: تقوم المكاتب التعاونية للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في المملكة بدور بالغ الأهمية، عبر رسالتها الوسطية لدعوة الناس إلى دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة، في خضّم سيل جارف يموج بالمجتمع من الشهوات والشبهات، وقد هدى الله تعالى بسببها إلى دينه جموعاً غفيرة لا يحصيها إلا هو، وتعاني هذه المكاتب بشكل دائم من الرسوم الحكومية التي تثقل كاهلها، علماً بأنّ اللائحة الإدارية والمالية المنظِّمة لأعمالها نصّت على أنّ المكتب التعاوني: (هو مؤسسة خيرية تعمل في مجال الدعوة إلى الله أ. هـ)، ولكنها إلى الآن تُعامل خلاف ذلك، وحاجاتها الدعوية مستمرة كاستقدام الدعاة وتأهيلهم والعناية بهم وكفالتهم، وكفالة المسلمين الجدد، ودفع أجور المباني وصيانتها، ودفع مرتبات الموظفين وتدريبهم المستمر، والتطبيقات الدعوية في المتاجر التقنية، وإقامة الدروس العلمية للجاليات، والدورات والملتقيات العلمية، والكلمات والمحاضرات في المساجد، والحج والعمرة، وتفطير الصائمين، وفعاليات الشباب في الأحياء... إلخ، والدعاية والإعلام لتلك المشاريع وتوثيقها.
- الوقف العلمي والثقافي: ويحتاج الناس إلى تنشيط سنة هذا الوقف الغائبة عن أذهانهم، وبيان حاجة المجتمع إليه، فالوقف العلمي، والوقف الثقافي مهمان في أي مجتمع كان فما بالك بالمجتمع المسلم، فبناء المساجد وإقامة الدروس العلمية وحلق تحفيظ القرآن الكريم فيها، وكذلك الجامعات والمعاهد والمدارس والمحاضن التربوية والمكتبات ودور العلم، ونشر العلم الورقي والتقني المقروء منه، والمرئي، والمسموع، والتطبيقات العلمية في المتاجر التقنية، ورعاية المتفوقين دراسياً، وطلاب المنح، وطباعة البحوث ورسائل الماجستير والدكتوراه المتكدسة في بعض الجامعات ولا تجد من يطبعها، كل ذلك سيصنع للأمة جيلاً مسلحاً بالعلم يحمل راية الدعوة إلى جميع أصقاع الأرض، كما أنه سيخفف العبء على الدولة ويتيح الفرصة للواقفين ليشاركوها الأجر.
تذكّر أيها الواقف عند استثمارك في الدعوة أنك أحد الدعاة وحاملي لواء محمد صلى الله عليه وسلم وممن عناهم الله بقوله: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (125) سورة النحل. وقوله: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (104) سورة آل عمران.
- باحث دكتوراه في قسم الدعوة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية