عبدالله بن سالم الحميد ">
السياسة الشرعية ذلك العلم الإداري الشرعيّ المتخصص هي اختصاص الأمير الدكتور عبدالعزيز بن سطام بن عبدالعزيز في رسالته للدكتوراه بالمعهد العالي للقضاء التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
وكان عنوان تلك الرسالة (اتخاذ القرار بالمصلحة) عنواناً لدراسة فقهية شرعية يؤصّل فيها دور السياسة الشرعية في إدارة شئون الناس، والعناية بمصالحهم، والعمل على إصلاح شئونهم.
وهي المادة التي يتولّى تعليمها لطلبة الدراسات العليا بالمعهد العالي للقضاء.
وكانت تلك المحاضرة بعنوان (السياسة الشرعية في تقدير المصلحة العامة) التي ألقاها الأمير د. عبدالعزيز بن سطام في جامعة المؤسس الملك عبدالعزيز بجدة، تتناولُ صوراً من أهم مميزات السياسة الشرعية في تقدير (المصلحة العامة).
وقد طرح الدكتور المحاضر تساؤلاً يقول:
متى نشعر بتطبيق وتنفيذ المصلحة العامة؟!
فلفت النظر إلى أهمية الإجابة عن هذا التساؤل،
ثم أجاب بقوله:
نشعر بتطبيقِ وممارسةِ المصلحة العامة عندما نراها تطبَّقُ على الآخرين.
نشعر بتطبيقِ وممارسةِ المصلحة العامة عندما نراها تطبَّق علينا. ولكن، شعورنا بتطبيقِ وممارسةِ المصلحة العامة علينا، يختلف عن شعورنا بتطبيقِ وممارسةِ المصلحة العامة على الآخرين.
وشعورنا عندما تقيد المصالح الخاصة لآخرين لأجل مصلحة عامة، يختلف عن شعورنا عندما تقيد مصالحنا الخاصة لأجل مصلحة عامة.
عقيدتُنا الإداريةُ في الإسلامِ هي:
أنَّ كلَّ مُتصرِفٍ على الآخرينَ فعليهِ أنْ يتصرفَ بالمصلحةِ.
العقيدةُ الإداريةُ في المصلحة العامة من منظورِ السياسة الشرعية هي:
أنَّ كلَّ مُتصرِفٍ على الآخرينَ بالمصلحةِ العامة؛ فعليهِ أنْ يتصرفَ حسب أمثل المصالحِ الخاصة بهم.
وشرح سمو المحاضر أشتاتاً مما يختصّ بتقدير المصلحة العامة، فقال:
أهمُّ ما يمكنُ أنْ تعرفَه عن تقدير المصلحةِ العامة:
هو أن القيمةَ الحقيقيةَ للمصلحةِ العامةِ تساوي مجموعَ قيمِ المصالحِ الخاصةِ التي تحققُها لأفرادِها.
معيارُ العملِ بالمصلحةِ العامة والوظيفةُ الأساسُ للمسؤولِ عن مصالحِ الغير، هي:
سرعةُ تحويلِ المصالحِ العامةِ لأمثلِ المصالحِ الخاصةِ، على أوسعِ نطاق ٍبأقلِ تكلفةٍ على المستفيدين.
دَرْءُ تعارُضِ المصالحِ: لا يمكنُ أنْ تكونَ المصلحةُ معارضةً لمصلحةٍ.
فالمصلحةُ العامةُ مركبةٌ من مجموعِ المصالحِ الخاصةِ.
والمصلحةُ الخاصةُ هي مفرداتُ المصلحةِ العامة.
الذي يعارضُ المصلحةَ هو المفسدةُ.
فالمفسدةُ العامةُ تعارضُ المصلحةَ العامةَ في المقابل.
والمفسدةُ الخاصةُ تعارضُ المصلحةَ الخاصةَ في المقابل.
عند العمل.
منْ أصعبِ الأمورِ تقديرُ المصلحةِ العامةِ، وبخاصةٍ في هذا العصرِ مقارنةً بالعصورِ الماضية.
وأوضح المحاضر أموراً مهمة تعيق تقدير المصلحة العامة، فقال:
أسبابُ صعوبةِ تقديرِ المصلحةِ العامةِ:
تعقدُ العلاقةِ بين المصالحِ العامةِ والخاصة.
وتطرّق المحاضر إلى تعارض المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة، وماذا يُتخذ من إجراء حِينَئِذٍ.
وتطرق الأمير عبدالعزيز بن سطام إلى المنشآت الإدارية والمصالح العامة من خلال أن المنشآت الإدارية ليست مهيأةً لرؤية منافع الأفراد كلاً على حدة وإن المنشآت الإدارية لديها ميل نحو افتراض التعارض المبدئي بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، كما أن التوفيق بين المصلحة العامة والخاصة، لا يدخل ضمن تقييم أداء المنشآت الإدارية غالباً وإن تكامل المصلحة العامة والخاصة، يخرج عن نطاق عمل المنشأة الإدارية.
وتحدث سموه عن الفكر الإداري، وضوابط المصلحة المعتبرة شرعاً حيث الضابط الأول:
عدم مخالفة المصلحة لأحكام الشريعة والضابط الثاني: عدم تفويت المصلحة لمصلحة أفضل من التي يؤمر بها.
الضابط الثالث: عدم إحداث جلب المصلحة لمفسدة مساوية للمصلحة المأمور بها أو أكبر منها.
وكما ألمحتُ آنفاً عن أهمية الثقافة في تقدير المصلحة العامة في حياتنا.
فالسياسة الشرعية علم اختصاصي مهم في صياغة نسيج الثقافة الشرعية يتّجه إلى معرفته من يعشق الحكمة والمعرفة والفقه، والتأصيل،والتدبّر لتدبير الأمور،وتوثيقها الشرعي، وضبط مرجعيتها، والتمكن من القدرة على اتخاذ القرار.
والبحث عن الحكمة والقيمة المعرفية خَيْرٌ كلّه يطمح إلى تلقّيه الخيّرون الأبرار.
ولعلّ الأمير الفاضل د. عبدالعزيز بن سطام واحدٌ من هؤلاء الفقهاء الاختصاصيين في علم (السياسة الشرعية) وقد وفقه الله إلى تعليمها، وشرحها، وبسطها، وإلقاء المحاضرات فيها وعنها، ومنها هذه المحاضرة القيمة التي من شأنها الإسهام في تنوير الثقافة الشرعية في هذا الميدان المهم.
ذلك ما لوحظ من تناول المحاضر الأمير د. عبدالعزيز في هذه المحاضرة.
وأتناول في نهاية هذا اللقاء جزءاً مهمّاً منها: تطرق فيه المحاضر د. عبدالعزيز بن سطام إلى معوّق من معوّقات تقدير المصلحة العامة، فقال:
أسبابُ صعوبةِ تقديرِ المصلحةِ العامةِ:
تعقُّدُ العلاقةِ بين المصالحِ العامةِ والخاصة.
تغيرُ الأُنموذجِ الفكريِّ ومصادرِ القوةِ.
طبيعةُ المنشآتِ الإداريةِ غيرِ الربحية.
طبيعةُ تأثيرِ البيئةِ المحيطة.
تحوُّلُ الأُنموذجِ الفكريِّ paradigm shift
كانت القوةُ في التحكمِ في وسائلِ الإنتاج.
كانت القوةُ في التحكمِ في رؤوسِ الأموال.
أصبحتْ القوةُ اليومَ في التحكُّمِ في المعرفة.
لا يتحكمُ في المعرفةِ من لا يملكُها.
لا تُمتلكُ المعرفةُ بمجردِ الحيازة.
تُمتلكُ المعرفةُ بالتصورِ الصحيحِ والفهمِ الصريح.
فالحكمُ على الشيءِ فرْعٌ عن تصورِه.
يا سلام! بهذه السلاسة والشفافية اختصر لنا المحاضر تلك المعوّقات،
وسردَ مسلّماتٍ واقعيّة تؤكد أهمية المعرفة والتدبّر والتفقّه، والتصوّر الصحيح للوصول إلى الحقيقة والمعنى الذي ييسّر معرفة تقدير المصلحة الذي ينبني عليه اتّخاذ القرار.
وكم نحن في حاجة ملحّة إلى محاضرات قيمةٍ تضيء دروب ما يهمنا في حياتنا الخاصة والعامة لنرتقي إلى ثقافة المعرفة الشاملة.
فشكراً للأمير د. عبدالعزيز بن سطام (مستشار خادم الحرمين الشريفين) على اهتمامه، وتوجهه الحكيم في إيضاح تصوّرات معينة، وتأصيلها، وتوضيحها بالأمثلة الحقيقية الواقعية في السياسة الشرعية من عمق اختصاصه. وفقه الله.
محاضرة بقلم د. عبدالعزيز بن سطام بن عبدالعزيز