«أحبوا الرجال، إنهم بحاجة إلى حبكم حتى لو لم يعترفوا بذلك.
بالفعل وراء كل رجل عظيم امرأة وثقت به وأحبته بصدق».
ديستوفسكي
نكاد كلنا نتشابه فيما نكتب.. نكتب جميعنا وفي الوقت ذاته عن المطر عندما يهطل، وعن ظهور الفقع، وعن حمى الضنك وهيئة الأمر بالمعروف، وعن الحفريات والمطبات ومكاتب الاستقدام، وعن البطالة.. ومعظمنا كتب الأسبوع السابق وهذا الأسبوع ربما عن معرض كتاب الرياض.
نستعير الأحرف ذاتها، ونكرر المواضيع ذاتها، ونقرأ ما نكتب، ونعرف أن لا أحد سيقرؤه سوانا، وربما المشرف الثقافي، وربما المدقق اللغوي، وحتمًا الرقيب، والقليل القليل جدًّا من الأصدقاء.
وسنكتب، وربما كتبنا الأسبوع الفارط - كعادتنا - عن غلاء الكتاب، وعن سوء ونمطية الجدول المصاحب، وعن شكاوى العارضين من غلاء أسعار المعرض وضعف الإقبال ومصادرة الكتب، وعن وعن.. وإذا لم نكتب عن هذا فما الذي سنكتب عنه؟
وأنا حقًّا نسيتُ أن أكتب مثلهم في الأسبوع الماضي؛ لأني في الأصل لم أكن أنوي الحضور لمعرض الكتاب؛ فكتب العام الماضي لم تُقرأ، وما من شيء يغري بالحضور، والرياض هي الرياض، مدينة بلا قلب، ولا بحر، ولا حنان.. مدينة قلبها من الصخر.
لكني سقطت أسير الذكرى في آخر لحظة، ذكرى السنوات العشر التي لم أغب فيها عن هذا الحدث؛ وحضرتُ، وحمدت الله أني حضرت.
وكانت الذكرى حاضرة وطازجة، وكأنها لم تستعمل، والأصدقاء الحميمون والوجوه التي نألف كانت هناك، ثم الكتب والأسماء والمصافحات والتلويحات والتقاط الصور والفرح كالأطفال..
لا شيء يمنحنا البهجة كالكتب والأصدقاء، وأرواحنا المتأزمة تُستعاد بكاملها، وننسى كل ما خارج هذا الفردوس الذي يجمعنا، والذي غدا انتظارنا، ومن أجله نمزق التقاويم.
أفراحنا صغيرة جدًّا، متواضعة جدًّا، وحالمة جدًّا.. ومن أجل هذا الفرح البسيط نتقاطر من جازان وتبوك.. من القطيف وجدة، ومن نجران، ومن أبعد شبر في خاصرة الوطن؛ وكل ذلك من أجل مصافحة الأصدقاء، واقتناء كتاب، وتبادل أرقام هواتف لن تُستعمل.
ومعرض الكتاب انتهى.. وعرسنا السنوي انتهى، والأصدقاء غادروا.. والكتب التي اقتنينا سنضيفها لما سبق.. وأصحاب الدور الذين ادعوا الخسارة وغلاء الأسعار سيحضرون مرة أخرى؛ لأنهم يعرفون أنهم لم يخسروا، ونحن أيضًا غادرنا، وكل ما بقي في ذاكرتنا وجوه الأصدقاء التي لن تُنسى، ولحظات الفرح التي سرقناها من وحشة الأيام والمصافحات.. وألوان عباءات صديقاتنا اللاتي رأيناهن من بعيد.. رأيناهن، ولوحنا لهن، وبعضهن لوح لنا من بعيد، ثم مضينا جميعًا.. وآآه، كم أنت قاسية «يا الرياض».
- عمرو العامري