ليس لي سوى الأبيض! أجازف بخلط الألوان دون جدوى، ما يزال متربعًا بكل صفاقة، ويحاول تعويضي إن غاب بكوابيس مملة تتكرر في شكلها الأرعن الذي يحاول إثارة هلعي، وينجح في كل مرة، ثم أسمع قهقهة ذلك الأبيض يعلن انتصاره بكل فجاجة!
يشكو لي أحد الأصدقاء من ازدحام لياليه بالأحلام الكثيرة. أتخيل أحلامه تقف في طابور طويل بانتظام متأنقة بألوانها الكثيرة كما لو كانت في حفل كوكتيل، تنتظر دروها بسعادة لمصافحة عقله، ولا أعرف كيف عليّ الرد على مثل هذه الشكوى سوى أنني «أقيس من الأحلام مدّ ذراع لا تكفي لرفو الخروق المتسعة»!
أود كسر روتين هذا البياض وإلحاحه على الزيارة بشكل بغيض، فأحاول التحايل عليه بتغيير جدولي لأنام في أوقات غريبة وأصحو في أوقات أغرب. أقرأ بكثافة فلربما حظيت بكلمة مارقة من هذه الصفحة أو تلك تحاول تأسيس مملكة جديدة لي، وأعرف مسبقًا أن هذه كلها محاولات غير مجدية بالهرب من سطوة الأبيض الناصع.
لست متأكدة من أن هذا المخادع لم يحاول غزو أحلامي بدرجاته الكثيرة المختلفة، الأبيض العاجي، الثلجي، لون الحليب، لون الورق، البيج، الصدفي، المرمري، القشدي، الشبحي، ولون العظام - هل تصدق أن البيج هو أحد درجات الأبيض - لا، لست مهتمة بالبياض إلى الحد الذي يجعلني أفكر بدرجاته التي لم أكن أعرفها، لأني لا أعرف له إلا شكلًا واحدًا، لكنني تعلمتها من رواية موريسون الأخيرة، وربما أحاول رشوته بهذه الطريقة كي يكف، ولو قليلًا، عن الفتك بي وبأحلامي الفتية!
بقلة حيلة، أمنح أيام الأسبوع ألوانًا فالسبت أخضر والأحد رمادي والاثنين أصفر والثلاثاء بين البرتقالي والوردي والأربعاء بنفسجي والخميس أحمر ربما، والجمعة هو يوم رمادي دومًا. الغريب أنني لم أمنح أي يوم لونًا أزرق رغم أنني أفضله على كل الألوان، والغريب أن الأبيض لم يتمكن من «بسط جناحه» مثل طائر رخ ضخم على أيامي، ربما يرى أنه يهبني فتاتًا أتسلى به قبل انقضاضه الليلي !
لم تفلح باقة الورد الأحمر التي وصلتني في يوم ميلادي، ولا التفاح الأخضر الذي أراكمه كل ليلة ليغير المزاج الكئيب الذي خيم علي بعد «العيد»، ولا القلم الأسود الذي أكتب به رسائلي المسائية كل يوم في تغيير البياض، فما الذي سيكسر حدته؟ ماذا لو كان هنالك موشور ما في مكان ما ينكسر به البياض ويتسرب قوس قزح إلى أحلامي التعسة؟ أوقن أن ذلك رفاه بعيد المنال إلا إن كنت في بلاد العجائب أو كنت أليس بحد ذاتها، ولا أنوي التحول إليها في أي عهد قريب!
كفّ يا بياض!
- بثينة الإبراهيم