رمضان زيدان ">
إن التخصص القائم على أسس علمية ومهنية قويمة يتبناها العقل البشري كي يتم صياغتها على ارض الواقع في شكل إبداعي مرموق تتملاها الأعين وتتوق إلى مكانتها العقول المبدعة وتهفو إليها كل روحٍ متطلّعة إلى بلوغ المراتب العليا من خلال ذلك الركب العلمي الواعي الحصيف.
وحينما يتجلّى لنا الإيمان بفكرةٍ - ما - لا يتم تمامها ولا ينبلج صبح إشراقها إلا في ذلك اليوم الذي تُشيد فيه على أرض الواقع، يزفّها مشهدٌ إيجابي مهيب إلى صرحها الممرد لتنتفض وتتحرك بين الأحياء، فتخلع بذلك ثوب التقاعس والإحجام، وترتدي رداء البذل والإقدام حتى لا تظل مجرد فكرة قابعة بين طيات الأفكار الراكدة.
إن العقل الأريب ليس له حدود في الإبداع بل هو دائماً وأبداً يرنو ويتطلع إلى الفِعال المُثلى في الحقل العلمي والإنماء البشري يبحث عن كل جديد ويتوق إلى مآثر التجديد ليدفع بالركب العامل إلى الأمام متوشحاً بوعي تثقيفي ودافع ذاتي ينبع من إيمانه العميق بمدى كون العقل البشري عنصراً مؤثراً في قوى النبوغ والإبداع ليتوثّب نحو النهوض والتقدم ومواكبة العصر بما لديه من رصيد فكري رصين وإدراك شمولي لحقيقة البذل الذهني وانعكاسه ليكون ترجمة إيجابية حية على أرض الواقع، وهو ما يترك لدينا انطباعاً أصيلاً لأهمية التحصيل العلمي درساً وبحثاً وأن قيادة السرب المحلّق في فضاء الإبداع البشري حتماً سيصل به إلى فكرٍ نهضوي كي يتسنى لهذه القيادة العلمية القيام بمهامها على أسس ذات طابع تقدمي وأهداف تنموية تدعو كل مثقف وعالم ومبدع أن يدلي بدلوه في محيط العلم الذي تتصارع بداخله الأمواج كصراع البشر غدواً ورواحاً في خضم عملية إبداعية يتشرف بها الجنس البشري على مدى العصور والدهور.
إننا لنقدِّر بحق ونحترم بصدق ونجل بإعزاز التخصص العلمي في كافة المجالات كي يبقى لكلٍ وجهته التي هو موليها ومقصده الذي يجد نفسه في عالمه عنصراً مؤثراً ومتميزاً يتسنى له من خلال هذا التخصص وذلك التوجه أن يقدم شيئاً إبداعياً خالصاً يُعد من المفاخر للبشرية جمعاء، ومن ثَم يكون للتخصص في حياة المبدعين أثره البالغ الذي يُعنى به لأنه من خلال التخصص يتم تأهيل العقل البشري كي يتبحّر في شعاب العملية البحثية والدروب العلمية لتكون المحصلة النهائية انصهار كافة التخصصات في قالب تنموي موحد يعطي للبشرية دورا رياديا قائما على الإبداع والتميز للوصول إلى أعلى عليين وفي مصاف المبدعين.
إن التصور البشري للإبداع هو في حقيقة الأمر مُبتدى الخطوات وأول اللبنات لقيام عملية علمية يتم من خلالها إنشاء الواقع المنظور الذي يخرج من بين طيات الشعور ومن خلال هذا المعنى تتجلّى لنا حقيقة التصور لغاية النبوغ والإبداع البشري الذي يمثل دوماً الروح الخلاّقة للهمة والعزيمة كي يتسنى لنا الخروج بالفكر البشري من النفق الضيق إلى الأفق الرحيب لتتلاقي يومئذٍ الأفكار وتتوحد الرؤى وتتسابق الأمنيات لتحقيق الذات ولبث روح الإبداع والتميز. من هنا كان لإعمال الفكر الإبداعي رؤيته الخاصة وطابعه الفريد الذي يتلمس الطريق وهو سائر بخطىً متريثة وواثقة نحو عالمه المميز لخلق نموذج مشرّف في هذا المجال الحيوي الذي يعييه العقل البشري في كافة مناحي الحياة.
على الإنسان إذن أن يزن الأمور بميزانها الصحيح آخذاً بالأسباب طارقاً لجميع الأبواب فمن داوم قرع الباب يوشك أن يفتح له.
فعلينا إذن أن نتوشّح بالأمل ونتزود بزاد الصبر والمثابرة نبحث ونكد ونتعب للوصول إلى غايتنا المنشودة وهكذا تسير الحياة يروضها الإنسان بالحكمة ويعمرها بالهمة ويطورها بالعمل الدؤوب لتتمثل الإيجابية الإنسانية الدافعة إلى الإصلاح ودروب الصلاح والموقظة للضمائر والملهبة للعزائم، وهكذا يتعلم الصغار ويكدح الكبار وترسم الأمومة في ملامح الصباح وتتقاطر من كل جبين للقوي العاملة هنا وهناك حبات العرق الشاهدة على الكفاح الإنساني بين أرجاء الحياة، وكانت الإضافة الجديدة هي الممارسة العملية ومنازلة الواقع الملموس وذلك لتصحيح أوضاع سلبية والدفع بأوضاع ايجابية نحو التقدم والأخذ بها كمثال يعمم في جميع التخصصات ليظل القول والعمل في مضاءٍ دءوب وإبداع دائم بتوجيهٍ مستنير للعقل البشري الطموح وذلك من أجل بزوغ ملامح الإشراق والتنوير.