تركي بن رشود الشثري ">
الفاعلية في الحياة نعمة لا تقدّر بثمن، وأنت تلحظ ذلك في بريق أعين كل المتفاعلين بنشاط وإقبال على الحياة، وتتساءل لمَ لا أكون مثل هؤلاء، متى ستشرق شمس الحيوية في نفسي وأتجه نحو ما أراه صواباً على الأقل بحماسة وتطلع .. من خلال الأسئلة الثلاثة سنفكر سوياً ونبحث عن النافذة المطلة على كل ما تشتاق إليه الروح ويتشوف له القلب:
- ما مدى تفعيلك لما تعلم وتعتقد؟
كثير من الناس يكدس القيم والمعارف بل والمهارات ولا يفعلها لتحسين حياته بل هو يجمع كل ذلك وكفى، وقد يتوقف عن الجمع يوماً ما ولا يستفيد من ماضيه الذي جمع فيه الكثير والكثير، فكم من كتاب قرأت ودورة حضرت وصفقة عقدت وفكرة تأملت وعلاقة عظيمة فيها انتظمت وبيئة معطاءة عايشت وقيمة ملكت وخلق عرفت ومهارة اكتسبت، وكم وكم من الخيرات التي ملئ بها هذا الكون متحت، فأين النتائج وأين العطاء أو المكاسب وأين التفعيل وأين الواقع وأين تحويل الأفكار والحقائق والتصورات إلى ميدان، خصوصاً في هذا العصر الذي يحلو لي تسميته بعصر الفرص، الميادين كثيرة الفرص وفيرة الأسواق مفتوحة والطلب قائم والعروض لديك مكدسة {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}، وهذه أربع خطوات عملية صغيرة لا تعدو أن تكون مثالاً ومقياساً تنسج على منواله ما شئت من الخطوات، نقدم لها بالحكمة الصينية القائلة ( أفضل وقت لزرع شجرة كان منذ عشرين سنة مضت وثاني وقت هو الآن).
الخطوات الأربع:
- ارجع بالذاكرة للوراء وانظر ما هي الهواية المحببة إليك وأنت طفل صغير، هل هي الخط أم الرسم أم تفكيك الأجهزة ومعاودة تركيبها أم رياضة معينة أم المعادلات الرياضية.
- في مراهقتك ما الذي كان يشغل بالك ووقتك.
- في شبابك ما هو عامل جذبك وعنوان شغفك.
- في منتصف عمرك ما قضيتك وسر تطلعك.
هذه الخطوات والتأملات لوحدها ممارسة لذيذة وبحث في أعماق نفسك وسبب وجودك ، بعدها يأتي تصنيف هذه الهوايات والأفكار والأعمال والتطلعات ضمن دوائر من المهم والأهم، والممكن والمستحيل والمتاح والمغلق، والذي فات أوانه والذي ابتدأ، لأنك لن تعرف كل هذا إلا من خلال الوقوف الجاد مع النفس والتنقيب في عوالمها التي شغلت عنها بعالم السرعة والاتصال والاهتمام المبالغ فيه بالآخرين، بعد تصنيف ما مر تنظر ما هي الأفكار والأعمال والتطلعات التي بلورت وهذبت، وما مدى تمثلها في واقعك، هل دخلت عالم المشاهد المحسوس أم مازلت في عالم المعنى أو في حيز العدم، بعد ذلك قم بتقييم كل الذي مر بالطريقة المناسبة لك ولمجالك، فهذه التوصية صالحة للتجار والرياضيين والسياسيين والكتّاب والمعلمين والوعاظ وغيرهم، فمن هنا تبدأ ومن ثم تنطلق لتكف عن الكلام، وتدخل ميدان الحركة والنشاط، واختبار ما يجيش بنفسك من مهارة أو فكر أو مشاعر.
- ما مدى تذكرك لما أعطيته للناس؟
عنوان الكمد أن تسترجع دائماً ما أعطيته للناس، فمعنى ذلك أن العطاء ليس سمة أصيلة فيك وأنك غير مخلص في العطاء، والذي يعطي الناس ويساعد الناس وهو صغير النفس صغير القلب، ولا بد من أن يتحسر على ما أعطاهم، فهكذا تعمل النفس اللوامة في بعض وجوهها، فهي لا تلوم فقط على فعل الشر بل وعلى فعل الخير، ولا تنتظر من الناس أن يقابلوك بالمثل أو أن يرفعوك فوق أعناقهم، فهم لم يرفعوا آباءهم ولا أمهاتهم ولا زوجاتهم الوفيات بل ولا أبناءهم البررة، فيا طول حسرة من انتظر هذا وأمثاله من الناس، بل أنت نفسك قبل أن تطالب من أعطيته أن يرد الجميل، هل أنت بار بوالديك، هل أنت متذكر لمعلميك، هل رددت معروف من قدم لك شيئاً جميلاً يوما ما، بل هل أنت تدعو لهم أم لا؟
قيمة العطاء الحقيقية تكمن في النفس المعطاءة، النفس التي تزيد انفساحاً وانشراحاً إذا أعطت، كما ورد في الحديث عند البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول (مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت أو وفرت على جلده حتى تخفي بنانه وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع )، إذا ربطت نفسك بموعود الله ففضل الله لا يحد، وإذا ربطت نفسك بمدح الناس وامتنان الناس فسيسومونك سوء العذاب، هكذا جبلوا وهكذا حدثنا الزمن.
- ما مدى توافقك الشخصي؟
هل تعاني ازدواجاً في الشخصية، هل لديك طاقات ومعارف لم تستثمر بعد، هل تقول شيئاً وتضمر شيئاً آخر، ثق ثقة تامة أن الناس لا تعنيهم سيرتك المكتوبة وإنجازاتك المفقطة، ولكن الذي يعنيهم على الدوام وفي الصميم هو (حضورك، شغفك، حماسك، عقيدتك الناطقة على قسمات وجهك وفلتات لسانك وإيماءات يديك بعفوية)، هذا أنت هذه حقيقتك، لذلك استيقظ من غفلتك واعلم أنك مقبوض عليك من زمن بعيد متلبساً بازدواج الشخصية وقول ما لا تعتقد واعتقاد ما لا تقول، هي دعوة لأن تنحاز كلية لحقيقتك وشخصيتك المميزة فمن مثلك؟
أنت بالفعل نادر الوجود والله جل وعلا أنعم على كل إنسان بوجود خاص وحضور خاص وشخصية خاصة، فطمر كثير من الناس هذه الحقيقة تحت ركام الظروف والعقل الجمعي والتقليد والنفاق والإعجاب والتناسخ!!