التدريب ضرورة لا ترف ">
لقد خاض في أمر التدريب والمدربين والمتدربين في الفترة الأخيرة خلقٌ كثير؛ فمنهم من شرّق، ومنهم من غرّب، ومنهم من غلا فيه، ومنهم من جفا.. والحقيقة إن التدريب شأنه شأن أي أمر، حسنه حسن، وقبيحه قبيح؛ فهو في الأصل ما جاء إلا للتطوير؛ فبدأت به الشركات والمنظمات الصناعية، وما عاب عليها أحد ذلك، بل أُثني عليها لذلك، وتقدمت في الإنتاج والجودة والتحسين.. وعندما انتقل التدريب للمجال التربوي والتعليمي والدعوي، وبدأ به الأكفاء المتميزون، استفاد منه خلق كثير، وعُدّ ذلك تطورًا من واقع المحاضرات والندوات الرتيبة إلى واقع أكثر حيوية ونشاطًا؛ فأصبح يُكسب المعلومة والمهارة، ويغيّر اتجاهات وقناعات سلبية، ولكن - مع الأسف - لحق بهؤلاء الأكفاء مَن هبّ ودبّ؛ فاختلط الحابل بالنابل، وأصبح هناك مَن يهرف بما لا يعرف، وهذا ما جعله يتعرض كما يتعرض له أي عمل آخر في أي قطاع آخر من عقبات وهنات وسقطات وسلبيات كثيرة، منها استغلال الناس استغلالاً ماديًّا، والخوض في خرافات ونظريات ممجوجة، والبحث عن الشهرة على حساب الفائدة والقيمة.. فانتشرت مجموعة من هذه البرامج التدريبية الغامضة، فظن الذين لا يملكون إلا الفرشاة السوداء في تلوين لوحاتهم أن ذلك هو أصل التدريب كله؛ فلجؤوا للتفكير المتصلب، والتهويل المضخم، والتعميم الخاطئ الذي نهى الله عنه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، الذي أمر بإعطاء الناس حقوقهم، والعدل في الحكم عليهم {... وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى...}، وسارع كثير من عامة الناس ومثقفيهم للحكم على التدريب من خلال تلقي هذه الأخبار الفاسدة عنه من غير تروٍّ ولا تثبُّت، ونسوا قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ...} الآية.
أما من أراد أن يعرف فوائد التدريب ومحاسنه - وهذا ما وجدته شخصيًّا خلال عشرين عامًا من الممارسة - وأحب أن يستخدم بقية فرش الألوان الأخرى الزاهية في تزيين لوحته، فإليه بعضًا منها لا حصرًا:
1 - التدريب يعطيك فرصة لإدارة الذات، ومعرفة قيمتها، وتحسس جوانب النقص فيها، والسعي لاستكمالها.
2 - ينمي لديك ملكة التفكير والبُعد عن المهاترات والتهور في اتخاذ القرارات.
3 - تجد في نفسك القدرة على مواجهة الناس أيًّا كانت أصنافهم وطبائعهم، ويدعوك لحسن التعامل معهم حسب القاعدة التي تقول (أنزلوا الناس منازلهم).
4 - يعوّدك على حل المشكلات بالطرق العلمية، والنظر للأمور بتفاؤل وإيجابية، وملازمة الابتسامة.. وهذا مما يحبه نبينا وديننا.
5 - ينمي عندك حب القراءة والاطلاع على المعلومات والبيانات من مصادرها المختلفة، والبحث عن كل جديد، والقدرة على التمييز بين الغث والسمين منها.
6 - يفتح لك آفاق الممارسة والتطبيق لما استفدته في كل مكان توجد فيه، سواء في البيت أو العمل أو المجتمع.
7 - ينمي التدريب ملكة الإلقاء والتأثير في الآخرين، وكذلك الخطابة وارتجال الكلمات والدروس من غير تكلف أو تشدق.
8 - تستفيد منه في استغلال طاقاتك في فن الحوار مع زملائك أو زوجك أو أولادك، ومهارة التفاوض والإقناع مع محبيك أو مخالفيك.
9 - يكسبك الثقة بالنفس والآخرين بعد الثقة بالله - عز وجل - وحب التغيير والبُعد عن الرتابة والروتين.
10 - تجد في المستقبل من يقبّل رأسك، ويدعو لك بظهر الغيب؛ لأنك أرشدته إلى استغلال وقته، أو كسب أهله، أو إصلاح ولده.. ومثل هذا كثير والحمد لله.
هذا ما أحببت أن أبيّنه لأحبتي جميعًا. وما شهدت إلا بما علمت، فإن أصبت فمن الله وحده، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان. والله المستعان.
كتبه الفقير لعفو ربه أخوكم/ محمد بن عبدالعزيز الشيخ حسين - الأحساء