قال تعالى في آخر سورة الفتح {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْئهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}، فالآية الكريمة وصفت أصحاب نبينا محمد بصفتين يكمل الواحدة منها الأخرى.
ومن المعلوم أن اليهود لا يؤمنون إلا بالمادة لأن هذا ما يجيدونه، فهم أرباب الماديات كالمال والإعلام ونحوه في هذا العالم، فقال الله في حقهم {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}، في حين أن النصارى كانوا رهبانيين قال الحق سبحانه {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}، فجاء الإسلام ليكمل النقص الحاصل عند اليهود والنصارى، فضرب المثل لليهود الماديين بروحانية المسلمين {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ}، وضرب للنصارى الرهبانيين ما ينقصهم من المادية فقال {وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْئهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}.
فبيّن الله جل جلاله كمال أصحاب النبي بأنهم يتمتعون بالخاصيتين فهم يهتمون بالمادية وهم كذلك يولون الروحانية اهتمامهم وهذه من أعلى درجات الكمال التي هي من خصائص أمة محمد. فهذه الأمة يجب أن تنتبه إلى أنها جمعت القدرة بين التمسك بالدين والعناية به، وفي الوقت نفسه فإنه باستطاعتها أن تتقدم بالجانب المادي فتسابق العالم والعلم والعلماء وتسبقهم.
والدليل أن الله بين أن هذه من خصائصها، فلا يقال إن المسلمين أصحاب عبادة ومساجد ليس غير، بل يجب عليهم أن يولوا الجانب المادي جزءًا من اهتمامهم مع تمسكهم بالجانب الروحي كي يسودوا العالم وينشروا العدل ويوسعوا الآفاق في الجانبين الديني الروحي والعلمي المادي، وذلك بين في قوله تعالى {فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}، أي أن من يتخصص في أمر الدين كأولي العلم والذكر هم بحاجة إخوانهم في مجال العلوم المادية كي يكونوا داعمين لهم في مجالهم.
وخير مثال لذلك حينما صعد أول رائد فضاء عربي مسلم فإنه اجتمع مع الشيخ عبدالعزيز بن باز وسأله قبل الصعود للفضاء متى يصلي وكيف يتجه إلى القبلة؟ وحينما رجع سأله الشيخ هل رأيت الأرض كروية؟ فكان هذا أكبر مثال على أن الأمور الدينية الروحية والعلمية المادية إنما هي كجناحي طائر؛ كل جناح يوازن الآخر كي يطير بنجاح.
إبراهيم الأخضر بن علي القيّم - شيخ القراء بالمسجد النبوي