د. عبدالعزيز بن ناصر الشثري ">
تحرص سياسة التعليم بالمملكة العربية السعودية وبخطوات جادة على تحقيق تميز بجميع مؤسسات التعليم الجامعي، كما تحاول أن تجعله قادراً على المنافسة الإقليمية والعالمية، وذلك من خلال تقديم الدعم المادي والمعنوي اللازمين لتحقيق القدرة التنافسية للجامعات، والجهد الدائم على استخدام أحدث الأساليب لتطوير الأداء المؤسسي بالجامعات السعودية وتقويمه، مدخل المقارنة المرجعية يعتبر من أهمها؛ لما يحتوي عليه من مزايا تجعله قادراً على تحقيق الأهداف المرجوة.
بدأ الاهتمام بمدخل المقارنة المرجعية عندما قامت اليابان بزيارة لكثير من المؤسسات في الدول الغربية، واستطاعوا استيعاب ما نقلوه من الغرب من خلال مجموعة ضخمة من التعاقدات للحصول على حق المعرفة، مع مراعاة اختيار ما يناسبهم ويتواءم مع ظروفهم، وبعد ذلك قامت الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام هذا المدخل عندما واجهت الشركات الأمريكية تحديات تسويقية قوية من المنافسين الأجانب، حيث إن منتجاتها لم تكن بالجودة المطلوبة، وحينها بدأت تلك الشركات في النظر بشكل مباشر في استخدام طرق منافسيهم, وممارساتهم, ومنتجاتهم, وعملياتهم لتحسين منتجاتهم, أو للتفوق عليهم.
وتعرف المقارنة المرجعية بأنها «عملية منظمة لقياس ومقارنة عمليات عمل جامعة بأخرى ذات أداء متميز، من خلال التركيز الخارجي على الأنشطة الداخلية والوظائف والعمليات، ويتكون هذا المدخل من جزأين هما القياسات، والممارسات».
وبذلك فإن هذا المدخل يعتمد على فهم مستوى الجودة بالجامعات بالمملكة العربية السعودية, وقياسها, ودراستها، مقارنةً بالجامعات الرائدة التي لها مكانة متميزة في التصنيفات العالمية، ومن ثم اكتشاف كيفية الوصول للأفضل لهذا المستوى المتفوق والمتميز ودراسته وتعلّمه، وأخيراً تبني أو تعديل الممارسات والأساليب بعد إضافة قيمة إليها.
ويُعد مدخل المقارنة المرجعية أحد المداخل الإدارية المعاصرة التي تنتمي إلى مجال التقويم المؤسسي والتحسين المستمر، حيث يعدّ عملية تعلّم فيما بين المؤسسات التعليمية الجامعية، فالجامعة كمؤسسة تتعلّم الاستفادة من غيرها من الجامعات، وتترجمه إلى آليات تطبيقية في إطار البيئة والثقافة الخاصة بالجامعات السعودية بما يساعد على التحسين المستمر.
وعليه فإن القياس المرجعي يساعد الجامعة الشريكة (التي يتم المقارنة بها) على المحافظة على حقوقها، وعلى أسرارها وسماتها المميزة، فالمبادئ تمكّن كلتا الجامعتين من أن تساعد كل جامعة الأخرى، وتستفيد من خبراتها ومميزاتها المتنوعة، دون أن تخشى أي أذى أو ضرر من كشف أسرارها, أو تبادل المعلومات عن خططها وعملياتها، ولهذا فإن مدخل المقارنة المرجعية يمكن أن يتم على مستويات عدة داخل الجامعة الواحدة, أو أن يتم بأكثر من طريقة.
ويمكن أن تتم عملية المقارنة المرجعية بالجامعات السعودية من خلال الخطوات التالية:
1- تحديد ما يجب قياسه مرجعيًّا: وذلك من خلال البدء بالتفكير في المهمة وعوامل النجاح الحرجة، وتحليل العمليات.
2- فهم الأداء الحالي للجامعة: لمقارنة ممارسات الجامعة مع المقاييس المرجعية الخارجية، فإنه من الضروري فهم عمليات الجامعة وتوثيقها تماماً.
3- التخطيط: وفيها يتم تحديد ما سيتم مقارنته مرجعيًّا (سواء كانت عمليات, أو مدخلات, أو مخرجات), وتحديد بمن أو بماذا ستتم المقارنة؟ سواء كانت معايير مرجعية, أو أداء جامعة.
4- دراسة الجامعات الأخرى: ويتم ذلك بهدف وصف كيفية ممارسة أفضل العمليات، ونتائج هذه الممارسات القابلة للقياس، ويتم دراسة الآخرين من خلال أساليب فنية, مثل: الاستبانات، والزيارات الميدانية، والمجموعات المركزية التي تتكون من شركاء في عملية القياس المرجعي.
5- التعلّم من البيانات: وذلك عن طريق الإجابة عن سلسلة أسئلة, مثل: ما الفجوة بين أداء جامعتنا وأداء أفضل الجامعات؟ وما مقدار حجمها؟ ولماذا توجد هذه الفجوة ؟ ما الشيء الذي تفعله أفضل الجامعات على نحو مختلف بحيث تصبح هي الأفضل؟
6- استخدام النتائج: عندما تكتشف دراسة القياس المرجعي عن فجوة سالبة في الأداء، يكون الهدف هو تغيير العملية لسد الفجوة، وترجمة نتائج القياس المقارن إلى أهداف وغايات لتحسين الأداء وتطويره.
ومن ثم يمكن أن تستخدم الجامعات السعودية مدخل القياس المرجعي للوصول إلى مستويات أداء الجامعات العالمية المتميزة، وتبادل المعلومات والخبرات معها، واختيار الأساليب المناسبة لها والعمل في ضوئها.
وبالتالي فإن مدخل المقارنة المرجعية سيضمن للجامعات السعودية تحسين أدائها، وفقا للمستوى الذي ترتضيه، وذلك من خلال اختيارها لإحدى الجامعات المتميزة التي ترغب في أن تكون مثلها، وتقارن نفسها بها، وتستفيد من خبرة الجامعة النموذج في أداء عملياتها، وفي تطوير أداء عمليات الجامعات السعودية، حتى تصبح متميزة مثلها.
- استاذ الإدارة والتخطيط التربوي بجامعة الإمام