سلمان محمد البحيري ">
الكتابة هي إحساس وتعبير عن مشاعرنا، وهذا الإحساس الصادق تتولد منه موهبة تضع الكاتب باستمرار في حالة عشق بينه وبين القلم، فحينما يكون الكاتب صادقا فإن القارئ يشعر بالمتعة حينما يلامس الكاتب مشاعر القراء وظروفهم ومعاناتهم، خصوصاً في الهيام والحب والحزن والفراق، ولذلك هناك كتاب قرأناهم في أروع صور بكلماتهم الجميلة، و مازالت حتى وقتنا الحاضر، كلماتهم متداولة بين متذوقي الأدب وخاصة حينما يكون هناك في النص نثر أو شعر، لذلك الكاتب له قيمة كبيرة في المجتمع ويحقق شيئا كبيراً لأنه قوي ومؤثر فيمن حوله، وعليه فإن الكاتب بطبيعته يعتبر صاحب إحساس و تأثيره ليس محدودا فقط في محيطه و ظروفه وبيئته التي يعيش فيها، لذلك، فالكتابة تتخطى حدود المكان والزمان، لذلك عندما أكتب فإنني أكتب بصفة عامة كخطاب مفتوح لكل من يريد أن يقرأ أو يرغب في الاستماع، وأكتب من خلال مشاهداتي أو ما أسمع عن معاناة ومشاكل الناس وأظنها متقاربة على مستوى العالم، فهي لا تقتصر على جنسية معينة لأن عالم اليوم قد أصبح صغيرا ومترابطا جدا، وأصبحنا كأننا في بيت واحد بسبب التطور الحضاري والتقني في مجال الاتصالات ومن الصعب في الكتابة التقييد حينما يقال لك لا تكتب إلا في الأمور الداخلية أولا تكتب إلا في الأمور الخارجية، فحينما نكتب عن تجارب جميلة لأشخاص ناجحين فنحن ننقلها إلى بلاد مختلفة في العالم لذلك نهتم بمشاهداتنا ونقاشنا مع الناس وخاصة الشباب، فمثلا الكاتب نجيب محفوظ، كان يعيش مناخ الرواية وأبطالها من واقع تسجيله لمشاهداته وإحساسه لنبض الشارع المصري، فعندما كتب ثلاثيته المشهورة “بين القصرين”، ” زقاق المدق”، “السكرية” التقط مشاهدها من الأحياء القاهرية ومعايشته اليومية، فكان يجلس في المقهى يترقب الأحداث والتفاعلات الإنسانية بين بائع الخضار، اللحام، والطالبة النزقة التي تسير في الطرقات بضفائرها تحتضن إلى صدرها حقيبة المدرسة، أصداء الشارع، مطارق الحدادين، الرجل المصري الكادح، ثرثرة النساء من وراء الشبابيك، وهذه الجزئيات الإنسانية الدقيقة كانت أشبه بالتوابل الحارة التي تطعم الروايات بنكهة شهية وهذا سر نجاح نجيب محفوظ، أن جعل القارئ بطلاً حياً في كل رواياته، فالكاتب أيضا هو الوسيط ما بين ما يريده الناس والمسؤول، أو العكس والقارئ دوماً يريد من الكاتب الإحساس الصادق والجميل و يريد أن يتذوق نصاً فيه إبداع وإحساس ولايريده كلمات منقة بدون إحساس، فحياتنا بحر زاخر بالتجارب والعبر، والكاتب الماهر هو من يغوص في هذا البحر ويستنبط منه ما ينفع الناس ويثري مخزونهم، فليس بالكثرة والكم ينجح الكاتب وليس بتكرار اسمه ليسمو ولكن بجودة وكيفية ما يقدمه من عمل هو الذي يصنفه نجماً لامعاً ضمن الكتاب المميزين.