علي آل بخيتان ">
تواجه المجتمعات بكافة أنساقها وخلال العصور المختلفة عدداً من التحديات والصراعات التي تخلق العديد من التحولات والتغيرات الاجتماعية والثقافية على مكونات المجتمع متأثرةً بالعوامل المحيطة, وأكثر لبنات المجتمع تأثراً بهذه التحديات هي الأسرة فهي نواة المجتمع ومكونه الرئيسي, والأهم ودائماً ما ينعكس تأثرها سلباً أو إيجاباً على غيره من المكونات والأنساق الاجتماعية الأخرى, والأسرة السعودية في الوقت الراهن أصبحت تواجه العديد من التحديات التي يجب الوقوف عليها والالتفات لها لما قد تحدثه من تغير في المجتمع بأسره في الأجيال القادمة، كل هذه التحديات نستطيع أن نتجاوزها ونصنع منها رافداً إيجابياً على مستوى التنشئة الاجتماعية أو الثقافة الفكرية لدى الأجيال القادمة إن تعاملنا معها بعقلانية واعتبرنا حدوثها أمراً طبيعياً في ظل التغيرات الكبيرة التي تشهدها الدولة والعالم بأسره, وأن هذه التحديات والتحولات هي سنة المجتمعات والرابح فيها هو من يحسن التعامل معها والتعاطي مع قضاياها بالشكل المطلوب.
وتعتبر العولمة بأشكالها المختلفة سواء على المستوى الفكري أو الثقافي أو الاقتصادي أبرز وأهم التحديات التي تواجهها الأسرة السعودية في الوقت الراهن نظراً لما تحويه من قيم لا تتوافق مع قيم الأسرة السعودية ذات الطابع الديني, وما أحدثته من تطور على مستوى الإعلام والاتصالات ووسائل التواصل التي شكّلت من خلالها أدوات تنشئة اجتماعية دخلت عقر دار الأسر واخترقتها حتى أضحت ذات حظوة لدى الأبناء من خلال الصورة الجميلة التي تظهر بها أمام أفراد الأسرة بشكل عام والأبناء بشكل خاص.
بالإضافة إلى انعدام ثقافة الحوار لدى أفراد الأسرة سواء نتيجة الانشغال بالكسب المادي وسيطرته على أغلب أوقات الأسرة الذي قلل من التقاء أفرادها وتقاربهم, أو نتيجة الوقت الذي سيطر عليه شبح الإنترنت والثورة الرقمية وجعل من وجود الأشخاص كعدمه، فالمتواجد هو الجسد أما الذهن والتفاعل فهما مع الخارج.
أضف إلى ذلك ما تعانيه الأسرة السعودية من أزمة في السكن وتدني مستوى الثقافة الاستهلاكية التي لا تتوافق مع الموارد الاقتصادية للأسرة, فغالبية الأسر السعودية تسعى إلى أن تكون بنفس المستوى المعيشي لأسر ذات دخل اقتصادي عالٍ, وهذا يعني تكبد الأسرة لأعباء اقتصادية عالية تتجاوز قدرتها وإمكاناتها مما يدخلها في أزمة اقتصادية تنعكس على العوامل النفسية لدى أفرادها قد تصل نتائجها للتفكك جراء الحالة المزاجية الانفعالية التي تسيطر على الأب في تعامله مع الزوجة أو الأبناء وما ينتج عنها من طلاق أو تسرب دراسي لدى الأبناء, للبحث عن عمل يحسّن مستوى الأسرة اقتصادياً.
وفي ظل الأحداث الراهنة والعمل المنظم من المنظمات الإرهابية ذات الفكر الضال والمنحرف وما تستخدمه هذه المنظمات من أساليب ترويج احترافية لأعمالها وأهدافها، فإن الأسرة تواجه تحدياً كبيراً في التصدي لهذه المنظمات والحفاظ على أبنائها ووقايتهم من الانحراف الفكري وهذا ما يشكل العبء الأكبر لدى الأسرة السعودية, نتيجة الهوة الثقافية بين جيل الآباء والأبناء والأمية الرقمية التي يعانيها أغلب الآباء بالوسائل التقنية الحالية المتمثلة في وسائل التواصل الاجتماعي, ما يسهل على هذه المنظمات التأثير على الفكر لدى الأبناء واستقطابهم دون انتباه الآباء أو وعيهم بذلك.
كل هذه التحديات لن يتم التصدي لها والسيطرة عليها إلا بزيادة المعرفة ورفع مستوى الوعي لدى الأسر من خلال التعليم بإعادة النظر في المناهج الدراسية والأساليب التعليمية كما يناط بالإعلام إعطاء المساحة لمناقشة القضايا الاجتماعية وبيان أهميتها, فجانب التعليم والإعلام في الوقت الحالي يعتبران أهم وأكبر روافد الفكر بالإضافة إلى قيام المؤسسات الاجتماعية سواء الحكومية أو الأهلية بالتوعية والإرشاد في قضايا الأسرة ومشكلاتها والتنشئة الاجتماعية وتربية الأبناء والأمن الفكري وتحسين مستوى المهارات لدى الآباء والأمهات في الشئون الأسرية حتى نصل لأسرة واعية وقادرة على تجاوز منغصاتها وعوامل تفككها.