د. عبدالعزيز بن ناصر الشثري ">
في ضوء ما صدر في الفترة القريبة الماضية في المملكة العربية السعودية من صدور قرار ملكي بدمج وزارة التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم في وزارة واحدة تحت مسمى وزارة التعليم، ولما يتطلبه هذا الدمج من أن تتبنى قيادات الوزارة الجديدة - بعد الدمج - مداخل حديثة للقيادة حتى تستطيع أن تتحمل المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق معالي الوزير الدكتور - أحمد العيسى والقادة في المستويات الإدارية المختلفة، وفي ظل هذا الحمل الثقيل بعد دمج الوزارتين مع بعضهما فإنه لابد من استخدام المدخل أو الاتجاه الإداري المناسب في مثل هذه المؤسسة الحكومية التربوية، ولعل من أكثر هذه المداخل ملاءمة لهذه التغيرات هو مدخل (القيادة الموزعة)؛ حيث من الصعب إدارة المؤسسات التعليمية في المستويات الإدارية المختلفة من قبل شخص واحد، بل يجب أن يتشارك جميع الأفراد بمختلف مستوياتهم الإدارية في إدارة المؤسسة التعليمية، وهو ما سيحققه مدخل القيادة الموزعة.
ونظراً لأن القيادة الناجحة والفعالة تصنع الفرق الكبير في إدارة المؤسسات التعليمية وارتفاع مستوى أدائها، لأن نجاح المؤسسات التعليمية يتوقف على ما تتمتع به القيادة فيها من وعي وإدراك فيما تقوم به من تخطيط لاستمراريتها، وتُعدُّ الكوادر القيادية في مختلف مستويات الإدارة التربوية (العليا-الوسطى-التنفيذية) أحد المُدخلات الرئيسة في النظام التعليمي الذي لا ينصلح حاله ولا يستقيم أمره ولا تتحقق أهدافه دون توافر الكوادر المؤهلة والمؤمنة برسالة التعليم، كما أن النمط القيادي السائد بالمؤسسة التعليمية يُعدُّ أحد أهم أسباب نجاح المؤسسة التعليمية وتحقيق أهدافها وتميزها؛ لذا كان الاهتمام بأنماط القيادة والذي يُعد من أهم تلك الأنماط التي تقوم على المشاركة مدخل القيادة الموزعة.
وتعرف القيادة الموزعة Distributed Leadership بأنها ذلك النمط من القيادة الذي يمارس خلاله جميع العاملين بالمؤسسة التعليمية ابتداءً من أصغر وحدة تعليمية وهي المدرسة, ومروراً بالجامعة, وانتهاءً بوزارة التعليم التي هي أكبر مؤسسة حكومية تربوية في المملكة العربية السعودية تُعنى بالتعليم العام والتعليم العالي للبنين والبنات بمختلف مستوياتها التنظيمية، سواءً كان ذلك في الأدوار القيادية الرسمية وغير الرسمية.
وتعتمد القيادة الموزعة على مشاركة منسوبي المؤسسات التعليمية في القيادة على الانتقال من الهرمية الفوقية إلى القيادة الجماعية والأفقية، بحيث تتوزع الصلاحيات في ظل شرط المساءلة والمحاسبية الدائمة، كما تعرف بأنها قدرة مدير المؤسسة التعليمية على إيجاد قنوات اتصال مفتوحة تماماً مع العاملين (معلمين، أعضاء هيئة التدريس، إداريين)، ومنحهم الثقة التامة، ومشاركتهم في صنع القرارات وتشجيعهم على إبداء الرأي بما يخدم ويفيد المؤسسة التعليمية التي ينتمون إليها.
ولكن القيادة الموزعة لا تعني مجرد تفويض بعض الصلاحيات إلى أفراد في مستويات تنظيمية مختلفة، بل يجب أن يمثل ذلك جميع الأفراد داخل المؤسسة (فريقاً قيادياً) يتشارك في قيادة المؤسسة التعليمية نحو تحقيق أهدافها ورؤيتها الإستراتيجية، مما يتيح الفرصة لإعداد قادة للمستقبل وتدريبهم، ويتعامل مع كل فرد من منسوبي المؤسسة مسؤولاً ومحاسباً كقائد في مجاله أو موقعه التنظيمي عن تحقيق أهداف المؤسسة، وتحقيق تقدمها وتميزها المؤسسي.
ولكن يتطلب تطبيق القيادة الموزعة بالمؤسسات التعليمية بالمملكة العربية السعودية ما يلي:
) متطلبات ثقافية: وذلك من خلال إحداث نقلة نوعية, وتغيير جذري في الثقافة التنظيمية السائدة بمختلف المؤسسات التعليمية، بحيث يجب أن تتسم هذه الثقافة بالثقة المتبادلة، والإيمان بقيمة العمل الفريقي، وتشجيع الأفكار الإبداعية, وتهيئة المناخ الذي يسمح بذلك؛ بما يدعم ممارسات القيادة الموزعة.
) متطلبات بشرية: وذلك من خلال تدريب القيادات التعليمية على مهارات استخدام مدخل القيادة الموزعة، وكذلك تدريب منسوبي المؤسسات التعليمية كافة على المهارات القيادية المختلفة التي تجعلهم مؤهلين لمساعدة القادة في المستويات الإدارية المختلفة وإعانتهم على تطبيق مدخل القيادة الموزعة، وتشجيع المبادرات والأفكار الجديدة التي يقدمها منسوبو المؤسسات التعليمية.
) متطلبات هيكلية: وتكون من خلال تغيير الهياكل التنظيمية للمؤسسات التعليمية؛ بحيث تكون أكثر دعماً للعمل الفريقي، وللحفاظ على تدرج السلطة من المستويات الإدارية الأعلى إلى المستويات التنفيذية.
) متطلبات مالية أو تقنية: فمن الضروري توفير الأجهزة التقنية ووسائل الاتصال الحديثة، التي تضمن تفعيل عملية الاتصال بين الأفراد والقيادات داخل المؤسسة كافة، وتبادل الخبرات والآراء بينهم، وتقديم حوافز لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات وكذلك للمعلمين بالمدارس - وفق قواعد ومعايير محددة - للأفراد والمؤسسات التي تنجح في تطبيق القيادة الموزعة.
) متطلبات إدارية: فتخفيف العبء التدريسي عن أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، والمعلمين بالمدارس مطلب ضروري حتى يستطيعوا ممارسة الأدوار القيادية المختلفة، وطرح مبادرات وأفكار جديدة لتطوير العمل وفقاً لمدخل القيادة الموزعة، وتعديل اللوائح والقوانين بما يمنح منسوبي المؤسسة التعليمية ممارسات قيادية أكثر، وتمنحهم القدرة على الإبداع وتطوير الأداء دون الرجوع إلى رؤسائهم.
) متطلبات فنية: أن يتم توزيع المهام القيادية بين جميع منسوبي المؤسسة التعليمية وقادتهم بما يضمن تطوير الأداء المؤسسي، حيث يكون فيه توسيع لدائرة المشاركة القيادية داخل المؤسسة، وتبنّي سياسة التفويض، وتحقيق التوازن بين المسؤوليات والسلطات، وعمل متابعات مستمرة لمدى تطبيق مدخل القيادة الموزعة داخل المؤسسات، ويتم من خلال تحديد نقاط الضعف التي تواجه عملية التطبيق, والعمل على علاجها والتغلب عليها.
- أستاذ الإدارة والتخطيط التربوي بجامعة الإمام