نواف بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ ">
من واجبي كمسلم غيور على دينه، ومتألم على حال بعض أبنائه، وحزين لما قد ينشأ من جيل لا يستوعب حجم المصيبة وخطورة الموقف من أن يحلّ بنا غضب الله، أن أكتب وأذكر بعض المشاهد المنتشرة في الآونة الأخيرة من الإسراف والتبذير والتعالي التي لا تمت للمجتمع المسلم المحافظ بصلة، ولا تعكس واقع الإسلام وتعاليمه، وتصل إلى درجة الكفر بالنعمة.
كثير منا رأى بعينه، أو شاهد بعض الصور والمقاطع التي تظهر التعالي على النعم من ذبح للأغنام فوق الحاجة، ومن قام بغسل أيدي ضيوفه بدهن العود، ومن قام بحرق المال استهتاراً والإسراف في الأكل عموماً وما قد ينشأ من فوائض النعم ويكون مصيرها أن ترمى، لا لشيء سوى جهل وحب المظاهر، وأن يتحدث عنهم أقرانهم بأن فلاناً عمل كذا وكذا، وأنه يملك ما لا يملكه غيره، دون استشعار لحجم النعمة، وأنها لا تدوم، واستشهد بذلك قوله تعالى {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} وقوله تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} وقوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}. كما روي عن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل واشرب والبس وتصدق في غير سرف ولا مخيلة) أخرجه أبو داود وأحمد.
ومن الأسباب التي أدت إلى السلوكيات الدخيلة على مجتمعنا هي قلة الوعي والإدراك، والجهل لدى بعض أفراد المجتمع، والبعد عن الله سبحانه وتعالى، وإغفال ما نزل في القرآن، وما جاء في الأحاديث النبوية، وكذلك وهو الأهم عدم استيعاب المعنى الحقيقي للكرم وتحوير ذلك إلى التركيز في الكم وليس بالكيف، وإن من يتأمل ويتدبر وينظر إلى حال بعض الأمم وما كانت فيه من نعمة عظيمة، وما أصبحت عليه اليوم يدرك تماماً أن النعم لا تدوم، وأن الله قادر على أن يغيّر من حال إلى حال، وأقول كما قال أحد السلف: إني أحدثكم عن جوع مرّ بنا، وإني أخشى أن تحدثوا أبناءكم عن نعمة مرّت بكم.
والشواهد في هذا الأمر كثيرة، بل وتجدر الإشارة إلى ما قد حلّ في بلادنا سنة 1327هـ من بلاء وجوع وقحط ونقص في الأرزاق وجدب في المطر، وأكل للجيف، حتى سميت تلك الفترة بسنة الجوع.
والمتفكر في حال بعض الدول مما حل بهم الآن على سبيل المثال في الصومال وسوريا، وهي التي بحسب ما قرأنا عن بعضها وشاهدنا في الأخرى، بأنها دول كانت ذات نعمة تتميز بوفرة الماء والفاكهة وغيرها من الأنعام.
وإنه لمن الواجب علينا جميعاً أن نقف وقفة جادة تجاه هذه التصرفات والسلوكيات الخاطئة، بدءا من المنزل والمدرسة والمسجد، برعاية وتحت إشراف من إمارات المناطق على أن تكون هناك حملات توعوية مستمرة من وزارتي التعليم والشؤون الإسلامية والأمانات موجهة لطلبة المدارس وللمجتمع كعموم، وأن يحث أئمة المساجد في خطبهم عن عدم الإسراف والتبذير والمحافظة على النعم، وأن تقوم وزارة الداخلية مشكورة بالتوعية والتحذير من عدم المساهمة والمشاركة في نشر المقاطع التي تسيء إلى النعمة وتظهر ما يغضب الله، وتتخذ بحق ناشريها العقوبات المنصوص عليها في الأنظمة المتعلقة بهذا الخصوص.
وفي الختام: أذكركم بقوله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}. أسأل الله أن يجعلنا من الشاكرين الحامدين لأنعمه، وأن يجعلنا ممن قرأ القرآن وعمل به، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
- باحث في الشؤون الاجتماعية