وفاء بنت ناصر العجمي ">
كثير من النساء يُصنَّفن على أنهن مستهلكات «درجة أولى»، وإن كنَّ يختلفن فيما بينهن؛ إذ إن لكل منهن سبباً يدفعها لاستهلاكها؛ فمنهن من يدق الملل أبوابها باستمرار؛ ليدفعها نحو شراء ما لا تحتاج إليه، كما أن منهن من ترى قيمتها في مجتمعها بما تملكه من كل جديد ومميز.. ويبلغ جنون الهوس عند البعض حين يسعين لامتلاك ما هو خارج حدود الوطن، لمجرد حب التقليد والتفاخر.. ومن هنا درجنا في بيوتنا على أن نقتنى أشياء هي في كثير من الأحيان ليست مهمة، أو هي فائضة عن حاجتنا..!
الاستهلاك التفاخري هو نوع من الميل لاستهلاك السلع لا للحاجة الحقيقية لهذه السلع، ولكن رغبة في إشباع حالة نفسية وعُقدة شخصية لدى بعض الفئات الاجتماعية من ذوي الدخول المرتفعة، وفي الوقت ذاته تلك الفئات ذات الدخل المنخفض؛ ما يؤثر سلباً على الاقتصاد؛ لأنها - أي الظاهرة - تبدد طاقات اقتصادية فيما لا جدوى من ورائه.
الفئة الأولى: هي الفئة الاجتماعية الغنية التي تعيش في سياق مجتمعات محلية متخلفة. فهذه الفئة تدرج نفسها سلوكياً ضمن الطبقات الغنية في البلاد المتقدمة؛ فتقلد طريقة حياة الأمريكيين والأوروبيين مثلاً، ونحوهم في تلك البلاد، بغرض إظهار التميز؛ ما يجعلهم في عزلة اجتماعية ونفسية عن سائر الناس.
الأثر السلبي لهذا السلوك هو أنه كلما ارتفعت وزادت الدخول في البلدان الفقيرة استُخدمت الموارد الجديدة لإشباع الرغبات الاستهلاكية التفاخرية لدى المحظوظين؛ ما يُعدُّ عائقاً كبيراً في سلم تكوُّن رأس المال، وعملية ضارة في مجال الادخار، مع أثره النفسي على الطبقات الفقيرة.
الفئة الثانية: هي الفئة الفقيرة من ذوي الدخل المحدود، التي تميل نفسياً إلى التشبُّه بالأثرياء في سلوكهم الإنفاقي. هؤلاء إذا ما أُتيحت لهم فرصة دخل إضافي فإنهم يخصصونه لاستهلاك مثل السلع التي تستهلكها الفئة الأولى من الأثرياء، ولا يخصصون هذا الدخل الزائد للادخار.
مثل هذه السلوكيات تبدد طاقات اقتصادية لا جدوى من ورائها، وهي صفة في المجتمعات الموفورة مادياً، والفقيرة إدراكياً؛ إذ نجد أن كثيراً من أغنياء العالم يمتلكون أشياء قديمة، وما زالوا يستخدمونها، سواء سيارات أو بيوتاً، أو حتى أشياء أدق مثل النظارات أو الساعات؛ لأنهم يرون قيمة الشيء بمستوى واستمرار استخدامه، لا بحداثته وكثرة استخدامه وتداوله لدى الناس.
إن لدينا من يلهث ويتطلع إلى ما في أيدي الناس، ولا يقنعه ما في يديه، متناسين أن القيمة الحقيقية للإنسان في فكرة وسلوكه لا في ماله وثروته.
ومن هنا يتضح أن ظاهرة التقليد والمحاكاة ظاهرة نفسية اجتماعية سلبية، سواء على الاقتصاد الكلي في البلدان النامية، أو الأفراد؛ لأنها تشارك في تبديد الطاقات الاقتصادية بدلاً من اندراجها في دورة التنمية الوطنية.
علينا أن نتأمل إحدى الحِكَم الجميلة التي تعيننا على تصحيح تلك الأوضاع، ومنها على سبيل المثال هذا الدرس: «ففي ذات يوم أوقف عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ابنه عبد الله، وسأله: إلى أين أنت ذاهب؟ فقال عبد الله: إلى السوق. وبرر ذلك بقوله: لأشتري لحما اشتهيته. فقال له الفاروق: أكلما اشتهيت شيئاً اشتريته؟!». إنها حكمة اقتصادية خالدة، وقاعدة استهلاكية رشيدة، وخصوصاً ونحن نشهد في أيامنا هذه سباقاً محموماً، يترافق معه أساليب تسويقية جديدة، وأساليب إعلانية مثيرة، ووسائل إعلامية جذابة.
- أكاديمية بمدينة الملك عبدالله للطالبات