حماد محمد حماد آل مبارك ">
أخي الداعي المسلم، قد تتوق نفسك إلى أن يُشار إليك بالبنان أو أن تكون حديث المجالس أو أن يُسمع قولك أو يُكتب، ولكن هلا علمت أن الشهرة لو كانت منقبة لأكرم الله بها خيار أوليائه من الأنبياء والمرسلين، وقد أرسل الله ما يزيد على ثلاثمائة رسول، وأكثر من مئة ألف نبي، ولكن الذين جاء ذكرهم بالاسم في كتاب الله -جل وعلا- خمسة وعشرون.
أخي الداعي المبارك دعنا نتأمل ونقف وقفات مع أقوال أهل العلم في ذم الشهرة، قال الذهبي -رحمه الله-: «ينبغي للعالم أن يتكلم بنية وحسن قصد، فإن أعجبه كلامه فليصمت، فإن أعجبه الصمت فلينطق، ولا يفتر عن محاسبة نفسه، فإنها تحب الظهور والثناء» السير 4-494، ولا عجب فإخلاص النية والقصد أساس الدعوة إلى الله وطلب العلم، والإخلاص سبيل قبول كل عمل، والدعوة إلى الله وطلب العلم من أحب الأعمال إلى الله، فعلى الدعاة وطلاب العلم أن يصونوا نياتهم من شوائب القصد ودَخَل النية، بمحاسبة أنفسهم وتجديد نياتهم وتصحيحها بإرادة وجه الله تعالى بأعمالهم كلها، موقنين بأن النافع الضار هو رب العالمين، وأن الذي يثيب ويعاقب هو الله وحده لا شريك له، وأن قلوب الخلق بيده سبحانه وتعالى، فمن أراد خيري الدنيا والآخرة فليلزم إرضاء ربه حريصاً عليه دونما سواه. وقال أحمد بن
حنبل: «أريد أن أكون في شعب بمكة حتى لا أعرف، قد بليتُ بالشهرة، إني أتمنى الموت صباحا ومساء» سير الذهبي 11-216. فهذا الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة يربط الشهرة بالموت لعظم هذا الداء في التأثير على الدعاة وطلبة العلم. وقال بشر بن الحارث: (ما اتقى الله من أحب الشهرة). سير الذهبي 10-476. فهو يؤكد أن التقوى تتنافى مع حب الشهرة وهذا حق إذ كيف يجتمع إرادة الخلق وإرادة الخالق في آن، ثم إن المراد هو إخلاص الدين لله. وقال أيضا «إذا عُرفت في موضع فاهرب منه، وإذا رأيت الرجل إذا اجتمعوا إليه في موضع لزمه، واشتهى ذلك فهو يحب الشهرة» تاريخ دمشق 10-206 وقال محمد بن سيرين: «لم يكن يمنعني من مجالستكم إلا خوف الشهرة» تاريخ دمشق 53-228.
أخي الداعي وطالب العلم هذا حال المتقدمين من العلماء الذين عرفوا واشتهروا وطار صيتهم في الآفاق وعرفهم القاصي والداني وما ذلك إلا لخبيئة كانت بينهم وبين الله تعالى، فالعجب لا ينقضي من رجل يحرص على الشهرة ونصوص الكتاب والسنة وسير الصحابة والتابعين ومن قبلهم الأنبياء والمرسلين، ومن بعد الجميع كل ولي من أولياء الله الصالحين إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين الله، كل ذلك يدعو إلى الإخلاص والبعد كل البعد عن الشهرة فضلا عن الحرص عليها والسعي ركضا إلى رائحتها وبصيصها.
فلتحرص يا عبدالله الموفق على الآخرة، وستأتيك الدنيا راغمة، هكذا جرت سنة ربك في الأولين والآخرين، وحسبنا قيله جل وعلا: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا}. وقد أفاد العلماء أن المخرج جاء منكرا في سياق الشرط فضلا عن كونه في سياق الامتنان من الكريم الرحمن، فهم كلمة عامة شاملة لم تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها، وفضل الله واسع، ولا حدود لعطائه، فتبارك الله ذو الجلال والإكرام.
- طالب دكتوراه بقسم الدعوة في المعهد العالي للدعوة