د. عادل علي جوده ">
حينما يتماهى المرء في حب الوطن والارتماء في حضن ترابه وفي عمق تاريخه أمجاده، يجد فكره، ونبضه، وحرفه، مسخراً لترجمة علاقة خاصة تتجلى فيها سمة نكران الذات، فينطلق العطاء سخياً بلا حدود، وبلا توقف ولا تردد، ومن ثم -ودون أن يشعر- يجد أنه وضع لنفسه بصمة سامقة يفخر بها من حوله. بفرحة غامرة تلقيت نبأ تكريم المفكر، والكاتب، والقاص؛ الأستاذ (غريب عسقلاني)، وهذا هو اسمه الأدبي الذي اختاره بعناية فائقة ليكون ملاصقاً له في غربته عن بلدته عسقلان، وراسماً له خيوط الأمل في العودة إليها، بينما اسمه الحقيقي: إبراهيم عبدالجبار الزنط، من مواليد عسقلان بتاريخ 4-4-1948م، والحاصل على بكالوريوس في الاقتصاد من جامعة الإسكندرية عام 1969م، ودبلوم الدراسات الإسلامية - القاهرة 1983م، ويعمل حالياً مديراً للإبداع الأدبي في وزارة الثقافة الفلسطينية بغزة، وهو إعلامي يشار إليه بالبنان في كتابة الروايات، والقصص القصيرة، والقصص القصيرة جداً، والمقالات الأدبية، وفي ترجمة القصص القصيرة لعدة لغات. حاز على جائزة القصة القصيرة من جامعة بيت لحم 1977م، وجائزة أخرى في القصة القصيرة أيضاً من اتحاد كتاب فلسطين، ويضاف إلى سجله هذا التكريم المستحق ونيله «وسام الثقافة والفنون»، وهو عضو مؤسس في اتحاد كتاب فلسطين في القدس وغزة. له تسع روايات؛ ومنها «أزمنة بيضاء»، و»عودة منصور اللداوي»، و»جفاف الحلق»، وست مجموعات قصصية؛ ومنها «الخروج عن الصمت»، و»غزالة الموج»، و»النورس يتجه شمالاً». وقد وقفت مطولاً إزاء قصصه القصيرة جداً، ومنها قصة تحت عنوان «ذهول» ونصها كالآتي: «عَلَى تَوَجُّسٍ سَأَلَتْ: -كَمْ مِنَ النِّسَاءِ عَرَفْتْ؟ -كُلِّ النِّسَاءِ مَا عَدَاهَا. صَمَتَتْ عَلَى ذُهُولٍ، فَهَتَفْتُ مَعَ ذُهُولِ الْانْتِصَارِ: -لَيْسَ لِي مِنْ نِسَاءِ الْأَرْضِ سِوَاهَا. -مَنْ هِيَ؟ -مَنْ تُخَبِّئُنِي بَيْنَ بَيَاضِ الْعَيْنِ، وَاحْمِرَارِ الْجِفْنِ الْمُقَرَّحِ بِالسَّهَرِ. كُلُّ مَا جَرَى أَنَّهَا لَمْ تَتَوَقَّفْ عَنِ الْغِنَاءِ، وَأَنَا لَمْ أَتَوَقَّفْ عَنِ الصَّهِيلِ.» وإني إذ أسجل الشكر والامتنان للرئيس محمود عباس، إذ منح أستاذنا غريب عسقلاني «وسام الثقافة والفنون» تقديراً لدوره الفاعل في تأسيس اتحاد الكتاب في فلسطين، ولإسهاماته القيمة في إثراء الثقافة الفلسطينية، لأوثق أنها وقفة حق تستحق التقدير والاحترام.
وإني لأضم صوتي لصوت الدكتور محمد صلاح أبو حميدة؛ أمين سر المكتب الحركي للكتاب والأدباء الفلسطينيين، في الاحتفال الذي نظمه المكتب الحركي المركزي للكتاب والأدباء الفلسطينيين في المحافظات الجنوبية احتفاءً بهذا التكريم، إذ قال: «نلتقيَ اليومَ كتاباً وأدباءَ ومفكرين ورجالَ فكر وسياسة؛ لنحتفيَ بقامةٍ من قامات الأدب الفلسطيني والثقافةِ الفلسطينية، ونكرم مَنْ أشعلَ شمعةً مضيئةً في سماء العَتَمَة وظلمةِ الطريق... أميرُ هذا الحفل علمٌ من أعلام القصة والرواية الفلسطينية، وصاحبُ الكلمة الجريئة التي ظلت سلاحَه طوالَ فترة الاحتلالِ وما بعده، في الوقت الذي كان الصمتُ والسكوتُ هو سيدُ الموقف لدى الكثير من الكُتاب والسياسيين، إنه الكاتبُ الكبير غريب عسقلاني.. أيقونةُ كُتاب غزةَ وأدبائِها.. إن تحدثتَ عن الكتابة القصصية في غزة تبادر إلى ذهنك غريبُ عسقلاني، وإذا تحدثت عن الروائيين في غزة قفز إلى ذاكرتِك غريبُ عسقلاني.. فكأن المشهدَ الثقافيَ كلَّه اُختزلَ في شخصه وفي كتاباته الكثيرةِ والمتعددة»، وأقف إلى جانبه مؤيداً قوله: «إن تكريمَ هذا الرجل، إنما هو تكريم لكل إنسانٍ غَيورٍ على الثقافة والأدب، غيورٍ على الوطن ومقدَّراته، إنه في الإجمال تكريمٌ لغزةَ؛ لأدبائها ومفكريها».
فالتحية كل التحية لأبي مازن حيال لفتةٍ مهمةٍ نقيس بها إيجابيات مرحلة مضيئة آتية بإذن الله، ونضعها في قلوبنا لتعانق نبض الأمل الكامن فينا لرأب الصدع الفلسطيني، وتوحيد الصف والكلمة، والانطلاق بالعمل المشترك نحو تحرير فلسطيننا الغالية بكل حدودها وأطرافها.
وأختم بالتهنئة الخالصة لأنفسنا بتكريم واحد من أساتذتنا.
- كاتب فلسطيني