د. محمد عبدالعزيز الصالح
أصدر معالي وزير العمل مؤخرًا قرارًا، يقضي بقصر العمل في مهنتي بيع وصيانة أجهزة الجوالات وإكسسواراتها بالكامل على السعوديين والسعوديات فقط، وذلك بالتنسيق مع كل من وزارة التجارة والصناعة ووزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات. ونص قرار وزارة العمل على إعطاء مهلة للمحال، مقدارها ستة أشهر، بدءًا من جمادى الآخرة 1437هـ، لتحقيق السعودة الكاملة في تلك المحال، وعلى أن تلتزم المحال بسعودة 50 % من العاملين لديهم خلال ثلاثة أشهر فقط.
ما من شك أننا سنشيد بهذا القرار لوزارة العمل، خاصة إذا ما علمنا أنه سيسهم في توفير نحو عشرين ألف فرصة عمل للسعوديين والسعوديات للعمل في تلك المحال، خاصة أن العمالة الأجنبية تسيطر حاليًا على أكثر من 90 % من فرص العمل في تلك المحال. ولكن لا أخفيكم سرًّا أنني لست متفائلاً بجدية وزارة العمل في تنفيذ هذا القرار. وعدم تفاؤلي لم يأتِ من فراغ؛ وإنما يعود ذلك إلى أن الوزارة اتخذت في السابق قرارات عدة لسعودة الكثير من محال التجزئة، منها محال الجوال, لكنها لم تنفذ شيئًا من تلك القرارات، كما أنها سبق أن أعلنت وضع جداول زمنية لتنفيذ تلك القرارات، لكننا لم نر شيئًا.
ومن محال التجزئة التي سبق أن وعدت وزارة العمل بسعودتها، وأصدرت قرارات وزارية بذلك، محال الذهب والمجوهرات، وشركات الأمن الخاصة, وأسواق الخضار، وكذلك محال بيع وصيانة الجوالات. وأتذكر في هذا الخصوص أن الوزارة أصدرت قرارًا عام 1425هـ، يُلزم أصحاب محال الجوالات بسعودة جميع العاملين في تلك المحال بنسبة 100 %، وقامت وزارة العمل بتحديد ثلاث سنوات لتنفيذ هذا القرار بشكل تدريجي بحيث تتحقق السعودة الكاملة في بداية عام 1428هـ. وعلى الرغم من التهديدات التي كان يطلقها وزير العمل ووكلاء الوزارة لأصحاب محال الجوالات في حال عدم تنفيذ هذا القرار إلا أننا لم نرَ أي سعودة تحققت في تلك المحال, على الرغم من مرور نحو عشر سنوات على المهلة التي حددتها الوزارة لتلك المحال لتحقيق السعودة الكاملة.
وبعد قرارات السعودة التي أطلقتها وزارة العمل طوال السنوات الماضية، ولم يتحقق منها شيء في الكثير من محال التجزئة, أليس من حقنا أن نتخوف من عدم جدية الوزارة هذه المرة أيضًا عندما أعلنت عزمها على سعودة محال الجوالات؟ أتمنى من الوزارة أن تبذل قصارى جهدها لتنفيذ هذا القرار، وأن لا يكون كمثيله من قرارات السعودة السابقة التي لم يُنفَّذ منها شيء على الرغم من سيطرة أكثر من ستة ملايين عامل أجنبي على مختلف محال التجزئة، ومنها محال الجوالات.
في اعتقادي، إن فشل وزارة العمل في تنفيذ الكثير من القرارات التي اتخذتها في مجال سعودة محال التجزئة يعود إلى أن الوزارة تصدر تلك القرارات بمعزل عن الأدوات اللازمة لنجاح تلك القرارات, التي يجب أن يضعها الإخوة في الوزارة في الاعتبار في الوقت الحاضر، إذا ما أرادوا لقرارات الوزارة أن تنفَّذ. ومن تلك القرارات ما يأتي:
1 - أن يتم تحديد حد أدنى لأجر العامل السعودي في تلك المحال، على أن يوضع في الاعتبار مدى قدرة أصحاب تلك المحال على دفع الأجرة المناسبة لهم. وكذلك الاستفادة من دعم صندوق تنمية الموارد البشرية في تحمل جزء من رواتب تلك العمالة الوطنية.
2 - أن يتم تحديد ساعات العمل اليومية في تلك المحال التجارية، التي لا يجب أن تتجاوز سبع أو ثماني ساعات على الأكثر؛ إذ إن في ذلك مراعاة للظروف الاجتماعية للعامل السعودي من جهة، وكذلك مراعاة للظروف المناخية، كما أن في ذلك ترشيدًا للهدر الاقتصادي الناتج من فتح الكثير من المحال التجارية طوال ساعات اليوم دون وجود حاجة ماسة لذلك (مثال: المكتبات، صالونات الحلاقة، محال المفروشات ومحال الجوالات.. إلخ).
3 - الحزم في تطبيق قرارات السعودة على تلك المحال التجارية، خاصة أن الوزارة ستحرص على إعطاء فترة زمنية مناسبة بين صدور تلك القرارات ومطالبة أصحاب تلك المحال بوضع تلك القرارات محلاً للتنفيذ الفعلي, خاصة أن العمل في تلك المحال لا يتطلب تأهيلاً علميًّا, كما أن العمل بها لا يحتاج سوى إلى جرعات تدريبية بسيطة.
لا أعلم ما الذي جعل وزارة العمل تقصر قرارها على محال بيع وصيانة الجوالات فقط، التي لن توفر أكثر من عشرين ألف فرصة عمل للسعوديين والسعوديات, وكان من الأجدى أن يكون هذا القرار شاملاً عددًا من محال التجزئة، مثل محال المكتبات, بيع المفروشات, بيع الأجهزة الإلكترونية, خدمات الطالب, محال بيع الملابس الرجالية, محال التصوير... إلخ؛ إذ سيوفر ذلك مئات الآلاف من فرص العمل للمواطنين والمواطنات في تلك المحال.
ختامًا:
بتاريخ 17/ 3/ 1423هـ نشرت صحيفة الجزيرة في صفحة «زمان الجزيرة» خبرًا سبق نشره في تاريخ 26/ 12/ 1384هـ. وقد تضمن الخبر ما يأتي: (طلب صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز من وزير العمل والشؤون الاجتماعية الشيخ عبدالرحمن أباالخيل إقامة دورة عامة للتصوير؛ ليتمكن السعوديون من مزاولة مهنة التصوير؛ ليتم ترحيل الأجانب وإحلال السعوديين في أماكنهم).
تصوروا أن توجيه سمو أمير منطقة الرياض بسعودة محال التصوير قد جاء قبل 53 سنة، وعلى الرغم من ذلك لا نزال نشهد أن جميع العاملين في استوديوهات التصوير هم من غير السعوديين!!!!! فلماذا يحدث هذا؟
ثم بعد هذا كله أليس من حقنا أن نتساءل عن مدى جدية وزارة العمل هذه المرة في تنفيذ قرار سعودة محال الجوالات.