مدارات - خاص:
يقول الشاعر نزار قباني:
الحبُ في الأرض شيءٌ من تخيّلنا
لو لم نجده عليها لاخترعناهُ
ويقول الشاعر كامل الشنّاوي:
كوني كما تبغين لكن
لن تكوني
فأنا صنعتكِ من هواي
ومن جنوني
ولقد برئتُ من الهوى
ومن الجنونِ.
يتساءل الناس كثيرا حينما تداعب ذائقتَهم قصيدة رائعة او صورة أخاذة في بيت ويتمنى الكثير منهم لو علم يقينا ان خلف هذا الجمال ملهمة حقيقية وكثيرا ما يتعرض الشاعر لمثل هذا التساؤل، ولكلٍ طريقته في التهرب من الاجابة او الدوران حولها ما بين الإبانة والاخفاء، ومن هنا خطر لنا ان نستطلع آراء عدد من الشعراء حول السؤال التالي-(هل من الضروري أن يكون للشاعر ملهمة على أرض الواقع أم أن تخليها وافتعال وجودها كاف لإشعال الشعر؟؟؟)، وقد جاءت الإجابات على النحو التالي:
يقول الشاعر فهد بن عبدالعزيز الفايز:
في رأيي أن وجود ملهمة على أرض الواقع أمر يجعل القصيدة أبلغ معنى وأصدق تعبيراً وعاطفة، وأكثر تأثيرا على المستمع والقارئ وكونها من أرض الواقع هي أدعى للتخفيف من المعاناة التي يجدها في نفسه بعد التجربة العاطفية التي مر بها؛ حيث جاءت القصيدة نتاج انفعال حقيقي سواء أكانت معاناة شوق ولهفة أو تعبيرا عن حالة العشق التي يعيشها الشاعر بما في القصيدة من وصف حسي ومعنوي عما يكنه الشاعر لمحبوبته أو تكون القصيدة التي من واقع الحال معاناة إحباط وفراق أبدي مر بها الشاعر على أرض الواقع.
ولكن لا يعني ما قلته انتفاء خروج القصيدة نتيجة خيال وتخيل الشاعر من غير تجربة حقيقية مر بها وانما قالها متخيلا محبوبا لا وجود له في واقعه، وإنما أوجده في أحلام يقظته لا غير، ومرد ذلك فقط لرغبة الشاعر في التظاهر وأخذ دور العاشق الولهان و مجاراة لواقع مجتمعه وبيئته ودرءا لمظنة الناس بأنه لا يجيد الغزل وهناك شواهد حقيقية ومرويات تثبت هذا القول ربما لا يتسع المجال لا يرادها هنا.
ويقول الشاعرمحمد الشهري:
قد يتشابه الشعراء مع بعضهم البعض في جزئيات محددة فيما يتعلق بأساليب تعاطيهم مع كتابة الشعر، ولكنه من غير الممكن أن تتطابق أساليبهم جميعها، وذلك من منطلق اختلاف الطباع والأمزجة وحتى البيئات، كما ينبغي عدم إغفال متغيرات المراحل العمريّة للشاعر وتأثيراتها على كثير من أساليب تعاطيه مع مختلف مناحي الحياة بما فيها الشعر.
ومسألة ( الملهمات بين الحقيقة والخيال ) تظل في تقديري واحدة من الأمور القابلة للتشابه سواء جزئياً أو كلياً، والعكس صحيح.
عنّي أنا كصاحب تجربة متواضعة : تعاملت وتعايشت مع الحالتين.
ويقول الشاعر إبراهيم العبد اللطيف:
الشعر مدينة عامرة تسكنها الأفكار بمستوياتها المتفاوتة واتجاهاتها المختلفة، تلك المدينة لا يستطيع رؤيتها سوى من يمتلك تليسكوب موهبة الشعر فقط وليس النظم، وهي رغم خلوها من البشر إلا أنها كسائر المدن تزخر بالخير والشر والمحظور والمباح والمبكي والمفرح والمغري والمنفر و و...الخ؛ وبمجرد حدوث هزة عقلية أو قلبية في جسد الشاعر تنطلق فوراً الشرارة الأولى للقصيدة مبشرة بإمكانية فتح أحد أبواب مدينة الشعر هذه.. وأعتقد أن القدرة على رفع درجات التفاعل مع تلك الهزات الداخلية هو المعيار الحقيقي لقياس مدى الشاعرية المدعومة بالعمق المعرفي وسعة الإطلاع وتوافر الأدوات اللازمة للإبداع من الشاعرية المعتمدة على الموهبة كموهبة فقط. ويظل الشعر بكل ألوانه المعروفة مرهوناً بتلك الهزات»الملهمة» بما فيها الملهمة المقصودة في السؤال وهي المرأة التي تزيد أهميتها قليلاً عن سواها، أما من لا يرى حاجة لكل ذلك فهو ضمن صناع الكلام المصفوف الذي يمر عابراً بلا أثر.
ويقول الشاعر سعد الحافي:
ان لم يكن هناك ملهمة في الحقيقة..لن تجد شعرا حقيقيا.. فمحاولة اختراع الملهمة من الخيال سينتج عنه شعر بلا روح اشبه بالطيف الذي يتشكل ثم يتلاشى بسرعة من الذاكرة والدلالة.
ويقول الشاعر رشيد الفريدي:
ان من يؤمن بمقولة أعذب الشعر أكذبه... يتكئ على قناعة بان الشعراء يقولون مالا يفعلون كما وصفهم القرآن الكريم..وهناك الكثير من الادلة التي تدعم هذه القناعة والكثير من الشواهد لهذه النظرية ان صحت التسمية فهناك شعراء كتبوا اجمل واعذب الصور بأبيات خالدة بفكرة مبهرة لم يسبقوا عليها رغم انهم لم يعيشوا التجربة لكنهم تأثروا بها فاجادوا تصويرها. وعلى النقيض.. هناك حقيقة مفادها ان الإبداع يخرج من رحم المعاناة حيث خلد التاريخ اسماء شعراء وابيات قصيد تكتب بماء الذهب ممن عايشوا المعاناة وايضا الشواهد كثيرة.. وأنا مع من يؤيد هذا الرأي ولاشك أن من يصف ويعيش الحال ليس كمن يرى او يسمع عن التجربة وما خرج من القلب وقع في القلب..لذا أنا على يقين بأن أعذب الشعر أصدقه.
ويقول الشاعر سالم حمدان الشراري:
في الغالب تكون مشاعر كل شاعر في البدايات وفي سن الشباب بالذات تنبع من واقع حب معاش سواء كان من طرف واحد او متبادل، وما بعد تلك المرحلة تجد ان الشاعر لما لديه من حس شاعري وتجارب عاطفية يتخيل او يفتعل ملهمة تكون بطلة قصة عشق ليستمر حضوره شعريا بما أن ذلك هو مطلب لكثير من جماهير الشعر ومتذوقيه، لذا تجد من كبار الشعراء من يغلب على شعره الغزل وهو قد لاينبع من واقعه، فقط هو تحقيق لرغبة معجبيه سواء من خلال ادوات التواصل او من خلال الأمسيات الشعرية.