في الحوادث والأحداث.. التصوير أولاً!! ">
تحقيق - سليمان اللزام:
يعمد الكثير من الناس في الوقت الراهن إلى توثيق ما يمر بهم وما يشاهدونه من أحداث بكل تفاصيلها عبر الأجهزة الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، ومن بين ما يبادر الناس لتصويره بعض الحوادث المرورية والشخصية والمواقف المحرجة التي يتعرض لها البعض في حياتهم، ومن المؤسف حقاً أن يكون هم الكثير المبادرة للتصوير بعيداً عن المساعدة والتدخل السريع للمساهمة في معالجة الموقف وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وطالب البعض بإيقاع عقوبات مغلظة على بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في هذا الجانب ليكون رادعاً لهم ولغيرهم في عدم التجاوز والتمادي في مثل هذه الأمور التي قد تحدث شرخاً واضحاً ربما يصل حد التنافر والتناحر بين أفراد المجتمع.
بين هم التوثيق وبين الرغبة في مد يد العون للمساعدة مسافة كبيرة من الضمير الحي الذي دفع هؤلاء للتحرك وبذل الجهد وأوقف أولئك عند الفرجة والتقاط الصور، وشتان بين الفريقين، تصوير ما يحدث للناس دون علمهم ودون وجه حق أمر مخجل ومعيب ترفضه الشريعة وتنفره الأعراف والعادات الاجتماعية.
«الجزيرة» طرحت الموضوع في أكثر من اتجاه لمعرفة آراء بعض الناس والمختصين.
كف الأذى
الشيخ محمد بن سكيت النويصر إمام وخطيب وعضو مجلس الأهالي والمحلي في محافظة الرس تحدث يقول: الناس أمروا بالبعد عن كل عمل لا يليق كالإساءة للآخرين، ومن ذلك ما يقوم به البعض - هداهم الله للصواب - من تصوير بعض اللقطات والمناظر عند حدوث بعض المواقف المحرجة أو المؤلمة أو عند وقوع حادث مروري، فيصور بجواله الذكي تلك المشاهد المؤلمة ثم يقوم ببثها إلى آخرين تصلهم خلال وقت وجيز، وقد يعلق عليها بدون تحفظ، ألا يعلم ذلك أن مثل هذا التصرف المشين قد يزيد الطين بلة بنقل أحداث ذلك الحادث ليشاهده قريب أو صديق لذلك المصاب أو المصابين فيورث لديهم حسرة ولوعة فيأثم من حيث لا يدري أو قد يدري، لكنه أخطأ الهدف وأساء من حيث لا يعلم وقد يكون يعلم، ولكن يجب أن نشعر من يقوم بهذا التصرف - هداه الله للصواب - بأنه تصرف مشين ولا يليق بالمسلم الحق الذي يحسن ألا يتدخل فيما لا يعنيه أو يكف شره عن الآخرين (المسلم الحق هو الذي يسلم المسلمون من لسانه ويده)، فهل من يقوم بتصوير تلك الحوادث والمواقف المحرجة هل هو من هذا الصنف رحماك ربي.
ويحسن بمن يمر على مثل الأحداث والمواقف أن يسارع لمساعدتهم وخدمتهم بما يستطع أو يشارك في ذلك أو يدعو لهم بالسلامة والعافية وهذا هو واجب المسلم الحق، ومن خلال جريدة الجزيرة الغراء وهي تطرح هذا الموضوع للنقاش نؤكد مرة بعد أخرى أن ذلك الفعل والتصرف من التصرفات التي لا يرتضيها الشرع الحكيم ولا يقبلها العقل ويرفضها جل العقلاء من أبناء المجتمع، فلا شك أن بث مثل هذه المناظر على اختلاف درجات الحرج والألم التي فيها ونقلها للناس فيها جرح لمشاعر المصابين وأهلهم وأقاربهم بل حتى لكافة أبناء المجتمع الذين لا يتمنون إلا الخير لإخوانهم المسلمين ويرجون لهم السلامة قربوا منهم أم بعدوا.
وأكَّد الشيخ النويصر ان هذه الممارسة دليل على قلة الذوق الاجتماعي، وعدم احترام خصوصية الآخر، إِذْ فيها من التطفل، والتعدي على عمل الجهات المسؤولة ذات العلاقة، وتقليب المواجع على أهل صاحب الحادثة، ما لا يخفى على عاقل فطن، ناهيك عن تعطيل سير العمل وإنقاذ المصاب على الوجه الأكمل واللازم.
عائق لعمل الجهات الرسمية
خالد بن سليمان الحربش يقول: في أحيان كثيرة يكون البحث عن التصوير والتوثيق عائقاً لعمل الجهات الرسمية التي تسعى للوصول لمكان الحدث والحادث، وقد يساهم ذلك التواجد المكثف من قبل بعض المتابعين والمنشغلين بالتصوير بعرقلة وصول سيارات الإسعاف والهلال الأحمر والدفاع المدني وجميع سيارات الجهات المسعفة التي تريد معالجة المصابين ونقل البعض منهم للمستشفيات على وجه السرعة حسب الحالة والحاجة أو تدخل أقاربهم لإنقاذهم والستر عليهم من أعين ونظرات المحيطين والمصورين.
فإذا قام شخص ما بتوثيق فيديو أو أخذ لقطة عابرة عمدا لشخص آخر دون علمه أو إذن مسبق فأعتقد أنه يدخل في دائرة الجريمة المعلوماتية والاجتماعية التي يعاقب عليها النظام، كما أن هذا الفعل يعد ذلك من التطفل على الآخرين ولابد من الإشارة إلى أن السلوك المتبع لدى الكثير من الناس يُعدُّ من السلوك السلبي، كما أنه من الفضول الذي يدخل في حب استكشاف المجهول والغريزة الجامحة لمعرفة تفاصيل ما يقع للآخرين من مواقف وأحداث دون وجه حق.
موقف مؤثر
محمد بن علي العلولا يقول: في أحيان كثيرة نرى مواقف محرجة تحدث لأشخاص وليس بالضرورة أن تكون حوادث مرورية، فتجد البعض من الشباب أو الشابات يبادرون لالتقاط الصور وليس الصور فحسب بل الآن وفي ظل البرامج الحديثة المصاحبة للهواتف الذكية يتم تسجيل الصوت والصورة كما في برنامج « سناب شات» مع الأسف الشديد دون مراعاة لمشاعر الآخرين وظروفهم وحالتهم النفسية التي قد تكون في بعض الأحيان منهارة بدرجة كبيرة من جراء ذلك الموقف، وأنا أضرب مثالاً واحداً فقط حدث أمام عيني فذات مرة كنت في أحد الأسواق الكبيرة بمكة المكرمة وإذ بامرأة من إحدى الدول الخليجية تخرج من إحدى المحلات التجارية تنادي بصوت عال باسم ابنها الذي كان معها هي وزوجها وخرج دون أن يشعرا به، وتعالت أصوات المرأة تنادي وتبكي وانطلق الكثير من الناس يبحثون معها عن ابنها في كل اتجاه وذهب البعض الآخر لتهدئتها وطمأنتها حتى وجده أحد الحاضرين قد ذهب بعيداً في اتجاه آخر واحضره لوالدته التي احتضنته وأجهشت بالبكاء، ومع تفاعل الناس مع هذا الموقف المؤثر فإذا بإحدى الفتيات تحاول التوثيق من خلال التصوير بالجوال فنهرها بعض الحاضرين وانصرفت، وهو أمر مؤسف ومخجل أن تكون الأم بوضع محرج ومأساوي وتلك الفتاة تبحث عن تسجيل وتصوير دون حياء ودون وجه حق، وهل سمحت هي لك بالتقاط الصور بالتأكيد لا، وهل استشعرت أنتِ موقفها المحزن ذلك وما كانت عليه من حال صعبة.
حزب من الابتزاز
الدكتور: يوسف الرميح أستاذ مكافحة الجريمة والإرهاب والمستشار الأمني تحدث قائلاً: يجب أن نعرف أن هؤلاء ومن يقوم بهذا العمل ومن كان يبحث عن الشهرة على حساب الناس ومصائبهم وأحزانهم فهؤلاء مرضى وكل من يستغل ضعف الناس وأحوالهم مهما كانت سواءً في حادث أو موقف محرج أو خلافه فإنَّ ذلك محرم، فالشرع أوجب علينا ستر عورات المسلمين فهل يتخيل أمثال هؤلاء أن من وقع لهم الحادث وذاك الموقف المحرج أبوه أو أخوه أو أحد من إخوانه أو أخواته فبالتأكيد لن يرضى أن يقوم الناس بتصويره، وبعض الناس مع الأسف الشديد يفرح بل يسترزق بكوارث الناس، وكان الأجدر بهؤلاء المبادرة لمساعدة من وقعوا بتلك المواقف مساعدتهم بأي طريقة أو المسارعة لدعوة من يستطيع مساعدتهم وإنقاذهم.
وأنا هنا أتساءل أين حقوق الطفل ؟ وأين حقوق المرأة ؟ وأين حقوق الأسرة؟ ولكن للأسف الشديد وسائل التقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي جعلتنا نتساهل كثيراً في أعراض المسلمين وحقوقهم، وهي أيضاً ساعدت ضعاف النفوس والعقول والدين، ويجب علينا نحن كمسلمين أن نرتقي للأخلاق التي أمر بها الإسلام وأهمها الستر، كما أن ذلك ربما يدخل في النميمة التي حذرنا منها رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، ومن قام بمثل هذا الفعل المشين فهو يأثم شرعاً ويعاقب قانوناً، فضلاً عن أن مثل ذلك العمل يعد سقطة اجتماعية كبيرة تدل على نفس هزيلة ورديئة، ويجب أن يوجد بيننا وفي داخلنا دافع لردع مثل هذه التصرفات السيئة والوقوف بحزم تجاهها وتجاه نشرها، فليس كل ما يعرف أو كل ما يطلع عليه يصور وليس كل ما يصور ينشر بين الناس.