عبدالعزيز سليمان القرعاوي ">
الأمن مطلب غريزي لكل من يدب على هذه المعمورة من إنسان وحيوان وطيور وما يعيش في البحار حتى الهوام والحشرات الكل يسعى إلى الأمن حسب بيئته وقدرته الدفاعية فسبحان الله من علم هذه المخلوقات كبيرها وصغيرها للبحث عن المكان المناسب للحفاظ على أمنها وأمن صغارها في أعالي الجبال والأشجار، والبعض يبيض ويتخفى تحت الصخور في أعماق البحار والأنهار، والبعض يندس ويتوارى تحت الرمال والصخور في القفار والبعض في المغارات والغابات.
وقد هيأ الله لكل نوع من هذه المخلوقات وسائل دفاع عن أمنها؛ منها من يدافع بالقوة وما يملكه من عوامل الدفاع بالأنياب والمخالب، ومنها من يعتمد على السرعة والمراوغة، ومنها من يتلون ليخفي نفسه عن الأعداء. ومنها من يدافع عن نفسه وأمنه في السم والأشواك، ومنها من يسخر الله له الإنسان فيقوم على خدمته والحفاظ عليه، وقد يطول الكلام على كيفية الكثير من مخلوقات الله: كيف تعيش وتحافظ على أمنها!.
هذه مقدمة وشيء قليل لما للأمن من أهمية ومطلب لجميع المخلوقات ومدخل للإنسان الذي فضله الله على كثير من خلقه وحمله الأمانة التي رفضتها السموات والأرض والجبال، قال تعالى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) سورة الأحزاب.
كيف هذا للإنسان المكرم في هذه الأمانة أن يسمح أن يختطف فكره ويجعل جسمه أداة للإخلال في أمن وطنه وأسرته ومجتمعه.
إن السبب الحقيقي لظهور هذا الفكر الضال المنحرف عن الاعتدال والوسطية هو تقصيرنا وغفلتنا عن معالجة هذا الفكر وإدراك خطورته وتفشيه بين أبنائنا ومجتمعنا منذ البداية إلا أن المملكة العربية السعودية لها دور ريادي في ملاحقة هذا الفكر وإيقاف هذا الرعب والكشف عن خلاياه وشبكاته والمحرضين له ونفذت شرع الله فيهم لقول الله تعالى، إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) سورة المائدة.
ولا يكفي باستئصال هذا الورم الخبيث فقط بل يجب البحث عن الوقاية منه قبل أن يزداد انتشاره وإيقاف رعبه، وذلك بالتركيز على الأمن الفكري فهو الحصن الحصين والسور المنيع لأمن الوطن. والأمن الفكري هو تصور فردي أو جماعي يتضمن أفكاراً وقيماً تصون الإنسان أو المجتمع من عوامل الانحراف ويمنحه أفكاراً توفر أسباب الطمأنينة والسعادة وتحميه من عوامل الخوف والإرهاب وتمنعه من الجنوح نحو الجريمة والعنف وتنطلق هذه العوامل في نشأتها من مؤثرات دينية أو اقتصادية سياسية أو حالات نفسية.
لابد من التعرف على مسببات ضعف الأمن الفكري، ومنها الأخطار الخارجية المتمثل بالهجوم الشرس على الإسلام والصراعات الفكرية ومنها الأخطار الداخلية، ومنها النفسية المتمثلة في اتباع الشهوات وظهور المعاصي والانحرافات العقائدية والفكرية والبدع والعولمة والصراعات العسكرية والمشكلات الاقتصادية والعنف والغزو الثقافي وثورة الاتصالات بالأجهزة الحديثة كل ذلك ينشأ عنه الانحراف والتطرف الفكري مثل الغلو والتدين من أجل إثبات الذات وانتقاد سياسة ولاة الأمر والدولة أمام الناس وإثارتهم عبر وسائل الإعلام وعلى المنابر من غير مبالاة والتعصب لرأي طائفة أو جماعة معينة وعدم الاعتراض بأي رأي آخر واستثارة عواطف الشباب، ومن ليس لديه علم بالضوابط الشرعية للجهاد، وذلك للحديث عن الجهاد وفضائله وعن شيوع المنكرات والمظالم في المجتمعات الإسلامية إذ لا يمكن القضاء على ظاهرة الإرهاب والعنف وإن توقف هذا الرعب الذي يمارسه أبناء جلدتنا على مجتمعنا وعلى مقدراتنا ومكتسباتنا وعلى قيمنا الإسلامية ووسطية هذه الأمة لا يمكن القضاء على هذا الفكر الضال والفئة المنحرفة والتي اختطف فكرها واستخدم جسمها للرعب والقتل والتدمير إلا بالتركيز على الأمن الفكري في النشأ ووضع استراتيجية ترعاها الدولة في جميع مؤسساتها ويشاركها المجتمع في جميع شرائحه في تطبيقها وتنفيذها بدءاً من البذرة الأولى الطفل ومتابعة جميع مراحله حتى يصل إلى العمر والمرحلة التي يصعب اختطاف فكرة واستدراجه بسهولة فيكون بذلك مخرجاً لبناء أسرة تنشأ أب وأم سليمي التفكير تصف بالوسطية والاعتدال وتوظيف جميع منابر التوعية من مساجد وخطباء وندوات ومحاضرات وكراسي في الجامعات ومناهج ومعلمين والجماعات الدعوية ومناشطها وغيرها مما له دور في تربية ومتابعة هذا النشء وحمايته من مصيدة هذه الفئة الضالة.
إذاً، بالأمن الفكري لمجتمعنا سوف نوقف هذا الرعب وهو الحصن الحصين لأمن الوطن وحمايته مكتسباته ومقدراته بالأمن الفكري نبني سور منيعاً ضد الهجمات الشرسة والتي تنوي الشر بهذه البلاد وزعزعة أمنها واستقرارها إن عزاءنا أن هذا الرعب الذي تتبناه فئة ضالة سيقف بإذن الله أمام قوة هذه الدولة بزعامة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز رجل الحزم والعزم وبتلاحم وولاء هذا الشعب الوفي لولاة أموره سينتهي بتطبيق شرع الله؛ فالذين زاغ فكرهم عن الهداية وخرجوا على الولاة وشذوا عن جماعة المسلمين وسلموا أجسامهم للمحازم الناسفة لقتل المسلمين أبناء جلدتهم ولتدمير بيوتهم ومساجدهم ومقدرات دولتهم بأشلائهم وتحطيم آمال من ينتظرهم من آبائهم وأمهاتهم وأبنائهم. اللهم أسألك أن تحفظ بلادنا وولاة أمورنا وشعبنا ويهدي ضال هذه الأمة إلى جادة الصواب، وأن يرجع هذا الفكر المخطوف والذي سلم جسمه لفئة تريد الشر لهذا الوطن وزعزعة أمنه واستقراره بأيدي أبنائه وهم في مأمن يتفرجون على أشلائهم ويتلذذون بمناظر دمائهم، اللهم أعدهم وأشفي صدور من ينتظرهم بالدموع والحسرة ممن تحطمت آمالهم وتكسرت قلوبهم على فلذات أكبادهم الذين تعبوا وشقوا في تربيتهم وانتظروا برهم وخدمتهم، وقد امتدت يد الغدر والفكر الضال لتحرمهم أجمل زينة الحياة الدنيا، اللهم أزل الغمة عن هذه الأمة وانصر جنودنا الأبطال على كل ثغر، واحفظ قائد هذه الأمة خادم الحرمين الشريفين الذي رفع رأس كل مسلم بحزمه وعزمه، والله ولي التوفيق.