د.عبدالعزيز بن ناصر الشثري ">
«مدخل القيادة التحويلية أنموذجاً»
منذ تأسيس المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز آل سعود ومروراً بالملوك سعود وفيصل وفهد وعبدالله يرحمهم الله جميعاً، وحتى تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - يحفظه الله-، ومن خلال ما يمتلكونه من شخصية كارزمية تمثل قدوة ومثالا يحتذى مع كل من يتعامل معهم، وكذلك من خلال التأثير الإيجابي في أفراد المجتمع واستثارة دافعيتهم وتشجيعهم نحو الإنجاز، والإبداع في العمل بمجالات الحياة كافة، والقدرة على جعل كل من يتعاملون معهم يبذلون أقصى ما لديهم من جهد، والتركيز على تنمية مهارات كل من يتعامل معهم, بما يزيد ويرفع من قدراتهم, وأفكارهم, وإمكاناتهم، وهو ما يمكن أن يسمى ممارسات القائد التحويلي.
ويعتبر مدخل القيادة التحويلية من المداخل التي ظهرت حديثًا - كعلم - في مجال القيادة، واحتل مكانة كبيرة في الآونة الأخيرة، وكانت بداية ظهور مدخل القيادة التحويلية على يد جيمس ماكجريجورو بيرنز ، باعتباره مدخلا يعمل فيه كل من القائد والمرؤوسين على دفع كل منهما الآخر إلى أعلى مستويات الدافعية والأخلاق من خلال وضوح الرؤية والرسالة، فالقائد التحويلي لديه القدرة على إلهام تابعيه لتغيير ثقافتهم وقيمهم ومعتقداتهم ودوافعهم بما يحقق الأهداف المرجوة، وظلت القيادة التحويلية محل دراسة واختبار وتطوير إلى أن قام العالم (بيرنارد باس) بتقديم أفكار جديدة حول القيادة التحويلية، محددا عناصر معينة مرتبطة بالقيادة والتي «تلهم المرؤوسين» عند استخدامها, وتملؤهم تحديًا وقدرة على الإقناع، وتمنحهم التفهم والإدراك، وتوسع مداركهم لاستخدام قدراتهم»، تلا ذلك تطوير للقيادة التحويلية من قبل اللذين أكدا على أن الأساس في القيادة التحويلية هو تطوير المرؤوسين وتحسين أدائهم، فالقائد التحويلي يقدر الطاقة الكامنة داخل المرؤوسين، ويزيد قدراتهم لإنجاز الالتزامات الحالية والمستقبلية المطلوبة منهم.
وتعد القيادة التحويلية عملية بناء الالتزام بالأهداف التنظيمية للمؤسسة، وتمكين المرؤوسين من إنجاز هذه الأهداف، من خلال توفير بيئة مناسبة لإقامة علاقات تفاعلية، وتهيئة مناخ من الثقة يدعم المشاركة في صياغة رؤية المؤسسة التعليمية وأهدافها، ويعتمد القائد التحويلي في ذلك على ما يتمتع به من قدرة على التأثير الكاريزمي، والتحفيز الفكري والدافعية، بالإضافة إلى الاهتمام بالاعتبارات الفردية.
ويتمثل الهدف الأساسي من القيادة التحويلية في تحويل الأفراد والمؤسسات من الرؤى والتفكير التقليدي، إلى التفكير غير التقليدي, وحثهم على أن يغيروا من الطريقة التي يفكرون ويؤمنون بها، ويعملون وفقا لها، وحملهم على أن يوسعوا من رؤيتهم وبصيرتهم وفهمهم للأمور، وتوضيح الأهداف، وجعل سلوكهم متوافق المعتقدات والمبادئ والقيم التي يؤمنون بها، وإحداث التغييرات الدائمة اللازمة لتطوير الأداء، والعمل على تنمية الذات وتكوين القوة الدافعة للعمل.
وتتمثل أبعاد القيادة التحويلية في أربعة أبعاد، هي: التأثير الكاريزمي، والتشجيع الإبداعي، والاستثارة العقلية، والاعتبارات الفردية، ويمكن إضافة بُعد خامس إلى هذه الأبعاد هو الرؤية التي تعبر عن الصورة المثالية للمستقبل، وتُبنى على القيم التنظيمية للمؤسسة التعليمية، حيث يمتلك الأفراد بالمؤسسة فهماً واضحاً للوضع الحالي للمؤسسة، وإحساساً واضحاً بما يجب أن تكون عليه هذه المؤسسة التعليمية في المستقبل، ووضوح الأهداف، والتركيز على الإنجاز، وتوافق القيم، ويتطلب تطبيق القيادة التحويلية بالمؤسسات التعليمية بالمملكة العربية السعودية مجموعة من المتطلبات, تتمثل فيما يلي:
متطلبات إدارية: تتمثل في إلزام المرشحين لتولي مناصب قيادية بالمؤسسات التعليمية المختلفة بالمملكة باجتياز عدد من البرامج التدريبية ومن ضمنها برنامج تدريبي عن «القيادة التحويلية» كشرط للتعين، وإلزامهم بحضور دورات تدريبية سنوية لتطوير المهارات الفنيه لديهم, خاصة فيما يتعلق بالقيادة التحويلية، وإصدار بطاقات توصيف وظيفي للقيادات التعليمية تتضمن أدواراً وممارسات القيادة التحويلية التي يجب أن يقوم بها.
متطلبات بشرية: حيث يتطلب تطبيق القيادة التحويلية الاعتماد على العمل الفريقي -وما يتطلبه من مهارات-؛ لزيادة قدرة الأفراد على مواجهة المشكلات، وإحداث التغيير الإيجابي في الأداء، وتأهيل صف ثان من القيادات يكون قادرًا على تخفيف حدة الضغوط الملقاة على عاتق القيادات، وفي الوقت نفسه يكون لدى المؤسسات التعليمية أفراد مدربون على الممارسات القيادية المختلفة، ونشر ثقافة التغيير داخل المؤسسات التعليمية نحو الأفضل.
متطلبات مادية: وتتمثل في توفير الموارد المالية لعقد المؤتمرات, والندوات, وورش العمل, وبرامج التنمية المهنية حول القيادة التحويلية، وتسهيل إجراءات الحصول على دعم مالي لعقد الدورات والمؤتمرات وغيرها، واقتراح مصادر بديلة للتمويل، واعتماد برامج للدعم المالي الذاتي، وزيادة الموارد المالية المخصصة لتوفير الإمكانات المادية اللازمة.
- استاذ الإدارة والتخطيط التربوي بجامعة الإمام