تمارا سمير البغدادي ">
«الطريق من عند مصنع الإسمنت، أنت تروح كأنك تبغى الخرج بعد إشارة الفلوة على يدك اليمين يجيء المستشفى، وإذا تبي تروح للمستشفى فخذ معك ماسك (كمامة)»؛ هذا ما سيخبرك به أحد سكان الرياض عند السؤال عن موقع مستشفى النقاهة، و»الكمامة» للوقاية من الغبار والروائح الكريهة فهو يقع في أكثر مناطق الرياض تلوثاً بجانب مصنع الإسمنت ومصانع الحجر، ومن الناحية الأخرى مجاري الحائر»؛ هناك جهود كبيرة تبذل لتطوير الخدمة المقدمة فيه، ولقد تمت إقامة المبنى الجديد من متبرع جعله الله في ميزان حسناته؛ ولكن المبنى فقد جاذبيته بسبب موقعه الكارثي بين المصانع والمجاري.. فالموقع غير صحي للناس الأسوياء؛ فما بالكم بمن يحتاج للرعاية الصحية؟؛ للأسف مستشفى النقاهة لا يحمل من الأسم سوى المسمى، ألم يخطر ببال وزارة الصحة نقل مقر المستشفى لمكان أنسب للمرضى؟.. كم أتمنى من معالي وزير الصحة زيارة هذا المستشفى.
لقد ضربت هذا المثال حتى لا يكون الحديث ضرباً من الاتهام ولتأكيد تقصير الوزارة، عتبي على وزارة الصحة يفوق الوصف فيما يتعلق بذوي الإعاقات، وأعتقد أنه تقصير بسبب بيروقراطية القرار التي تحد من كثير من الأمور التي تقدم لذوي الإعاقة! أليس معيار مقياس الأداء بالمنشآت الصحية مبني على مدى رضى المريض؟.. «تعنى الدولة بالصحة العامة وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن» المادة 31- حقوق المواطن؛ كم تمنيت وأنا أعد لمقالي اقتصار الأمر على موقع مستشفى معين أو تقصير بتوافه الأمور التي يستطيع المرء غض البصر عنها، أنا لا أنكر حسنات وزارة الصحة وعلى رأسها ما قدمته وتقدمه من جهود عظيمة يقوم بها منسوبيها لتوفير الرعاية الصحية للحجاج؛ من خدمات وقائية، علاجية وإسعافيه ما بين علاج وتنويم، أيضاً يذكر لها المواكبة التكنولوجية للمعدات الطبية المتطورة والكثير من الخدمات المقدمة للمواطنين لكن خدماتها لفئة ذوي الإعاقات والبرامج العلاجية المقدمة لهم لا ترقى أبداً لما يطمح إليه ولي الأمر والمواطنون بهذه الأرض المباركة.
مهما تحدثت عن حقوقهم فالحديث الأصدق والأدق هو حديث ذو الإعاقة نفسه عن حقوقه واحتياجاته ومطالبه، شكاويهم على وزارة الصحة كثيرة ولا حصر لها وقد فاحت رائحتها، أكاد أجزم أن أنوف بعض المسؤولين قد تعايشت مع تلك الرائحة، ومن أهم مطالباتهم التأمين الطبي فحاجتهم له أكثر من حاجة أي شخص آخر، حيث إنه لا يغطيهم؛ إنهم يطالبون بمساواتهم بالأيتام على الأقل في هذا المضمار؛ ألم يستطع مجلس الضمان الصحي إقناع شركات التأمين بضرورة تأمينهم! هل تُناقش شركات التأمين في الدول المتقدمة، الدولة في التأمين من عدمه! يطالبون أن تتضمن الخدمة التأمينية العلاجية المقدمة لهم خدمات جراحية مثل زراعة القوقعة وتركيب الأطراف الصناعية بجميع المستشفيات، مع توفير حق العلاج بالخارج سواء بالتأمين الصحي أو على نفقة الدولة لمن تحتاج حالته إن لم يجد علاجه بالداخل، استحداث مراكز للكشف والتدخل المبكر للإعاقة كأجراء مسح شامل لنقص هرمون الغدة الدرقية للأطفال حديثي الولادة، وشمولهم بالرعاية الطبية المنزلية بمتخصصين بمجال الإعاقة، يطالبون أيضاً بإصدار قانون بأحقيتهم بالحصول على الأدوية مجاناً نظراً لارتفاع تكاليفها، وصرف الأدوات الطبية الضرورية من مستودعات التموين الطبي والمستشفيات بدون تأخير، كالأكياس الحافظة وقساطر التبول وغيرها من الأدوات الطبية والأجهزة التعويضية، حيث إنها بالغالب مرتفعة الثمن، وهم يتحملون تكاليفها بحال عدم توفرها؛ وحتى في حال توفرها فالانتظار للحصول عليها يأخذ وقتاً طويلاً قد يتجاوز 6 أشهر نظراً للإجراءات، مما يضطرهم بالنهاية لشرائها من الخارج، يطالبون بالحصول على استثناءات بالمواعيد، فحالتهم الصحية لا تتحمل التأخير والجلوس لساعات طويلة لانتظار الكشف الطبي، وحبذا لو توفر لهم غرف خاصة للانتظار لترحمهم من مهاترات البعض، قد يحتاج بعضهم لوسائل مساعدة على الإنجاب كالتلقيح الصناعي ألا يستحقون إنشاء وحدات تلقيح صناعي تلحق بالمستشفيات الرئيسية بكل منطقة، أو أن تتحمل الوزارة التكاليف بالمستشفيات الخاصة التي تمتلك إمكانيات إجراء هذه العمليات بنفس مناطق إقامتهم.. فتكاليفها مرتفعة جداً، وليس بمقدور كل ذي إعاقة الذهاب من منطقته للمستشفيات الرئيسية؟؛ فبعضهم لديه شلل رباعي ويصعب تنقلهم؛ للعلم تكلفة العملية تتراوح ما بين 15-20 ألف ريال ونسبة نجاحها غير مضمونة مما يضطر البعض لمعاودة العملية أكثر من مرة، استحدثتجمعية حركية مشكورة مشروع «ذرية للمساعدة على الإنجاب»، وعقدت اتفاقيات مع عدد من الجهات الطبية، منهم من يقدم خدمة مجانية ومنهم تخفيض بنسب معينة؛ لكن حركية متواجدة بالرياض فماذا عن باقي مناطق المملكة؛ وجود مراكز طبية متخصصة بكل منطقة هو أمر مهم للغاية.. أنا لا أنكر وجود خدمات، ولكن تركيز الخدمات بالرياض والمملكة مترامية الأطراف؟، يطالبون بمواقفهم داخل المستشفيات المنتهكة بشكل فاضح فهي خاصة بهم ولا يجدر استخدامها إلا من قبلهم، وأن تتبع دور الإيواء لوزارة الصحة؛ أن إشكاليتهم تكمن بعدم وجود مرجعية، إنشاء هيئة مستقلة لهم هو أهم مطلب من مطالبهم لتتابع سير هذه المطالبات وآلية تنفيذها، والتخطيط لمستقبلهم ومتابعة المعاملات.
كم أتمنى تحقيق مزايا علاجية مناسبة من خلال منظومة علاجية تواكب التطور العلاجي الهائل الذي وصل إليه العالم وتوفير مقرات علاجية متخصصة متكاملة وعلى أعلى مستوى طبي وإداري وخدمي فيما يخصهم؛ كما هو الحال في ألمانيا أو التشيك. نفتقر للتنسيق بين المستشفيات ومراكز رعايتهم في ما يخصهم، نفتقر لمبادرة الوزارة لتخصيص مواقع مناسبة لهم بمراكز الإسعاف والطوارئ، فيها أجهزة وإمكانات طبية لاستقبالهم ومباشرة علاجهم دون تأجيل أو انتظار، يفتقر الهلال الأحمر السعودي للأجهزة والكوادر الاختصاصية لمباشرة حالاتهم في الحوادث أو الطوارئ؛ ليتمكن من نقلهم للمستشفيات.
أطمح أن تكون خدمات وزارة الصحة من الأرقى بالمنطقة بمشيئة الله، ولا أرى ما يحول دون ذلك، فقيادتنا الحكيمة أولت هذا القطاع كل اهتمامها، وأولت معالي وزير الصحة الثقة الملكية السامية لإخلاصه وكفاءته في إدارة هذا القطاع الحيوي؛ لا أعتقد أن معاليه سيقبل تحمُل ذوي الإعاقات لمصاريف علاجهم وأن تكون خدمات العلاج فيها الكثير من التعسير والتقصير، وشعار الوزارة نفخر برعايتكم.