حمد عبد العزيز الحميد ">
لاحظت أن الكثير من الطلاب الهنود يدرسون في الجامعات العريقة في العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي وكما تحدثت شخصياً مع بعضهم في الجامعة التي أدرس فيها ووجدت أنهم ليسوا بسطاء بل متعلمون وأذكياء إلى حد كبير، واتضح أن الفئة الهندية في أمريكا قد أصبحت رقماً كبيراً من السكان وكما أنها من أكثر الفئات فعالية وتأثيراً للمجتمع الأمريكي. لقد قرأت تقريراً من مجلة (Foreign Affairs) الأمريكية حول النجاح الهندي في المجالين السياسي والاقتصادي، ويمكن القول إن تاريخ الهند له العديد من الشخصيات المناضلة التي كافحت من أجل استقلال الهند وحرياتها، وهذه قصة الهند المذهلة والملهمة تدعو إلى القراءة والتأمل ولكن هذا المقال ليس عن تاريخ الهند وإنما نجاح الهنود في أمريكا.
أدرك أن السائقين والعمال الهنود في بلدنا ليسوا مثل الهنود في الولايات المتحدة الأمريكية فهؤلاء مختلفون كثيراً عن الهنود البسطاء في الدول العربية. وقد اتضح أن الهنود هم أغنى وأهم فئة من الفئات الآسيوية والعرب في المجتمع الأمريكي مما يجعله يحترم للهنود احتراماً كبيراً ويشعرون الهنود بالارتياح مع ثقافة الأمريكية.
حين قابلت الطلاب السعوديين في أمريكا وسألت عن تصورهم وانطباعهم للهنود وبعضهم يرد بسرعة بلا أي تفكير أن هؤلاء الهنود مثلهم مثل الهنود في الدول العربية وهذا الاعتقاد يدل على جهلهم بعقلية الهنود في أمريكا.
في الحقيقة أنهم ليسوا مثل بقية الجاليات المعروفة كاليهود والأوروبيين مما يجعلني أتساءل: ما السر في ذلك؟ أعتقد أن السر ليس هو التعليم فقط بل العمل الشاق والمثابر والتواضع وقوة الثقة بالنفس أيضاً رغم أن الهند تعد من الدول النامية الفقيرة ولم تمنع الحكومة الهندية من توفير الابتعاث للطلاب المتفوقين إلى الغرب ولعل دراستهم على حسابهم الخاص وحصل بعضهم على حق الهجرة إلى أمريكا لأنهم يحملون التخصصات العلمية المطلوبة التي الشركات والمؤسسات الأمريكية تحتاجهم للاستفادة منهم. وقد منحوا لهم حق الإقامة في العيش والعمل ثم حصلوا على الجنسية الأمريكية لاحقاً، ومن المعروف أن الحصول على الإقامة والجنسية الأمريكية لم يكن سهلاً بل يتطلب الكثير من الجهد والكفاح.
من الملاحظ تعيين المهندس الهندي المهاجر سوندار بيشاي رئيسا تنفيذياً لشركة (Google) وراتبه إلى 50 ميلون دولار سنوياً ورئيس شركة «ميكروسوفت» هو المهندس الهندي ساتيا ناديلا الذي يحصل على راتبه السنوي 85 مليونا دولار، وتشير المعلومات إلى أن المديرين التنفيذين للشركات الأمريكية الكبرى مثل شركة «بيبسي» وشركة «ماستر كارد» وغيرها هم الهنود الأصل، وقد أصبحت كل الفرص الممكنة إلى القمة الأعلى أمام أبناء الهنود المهاجرين. من الممكن أن يرشح أحد أبنائهم للرئاسة الأمريكية وليس غريباً أن يفوز المرشح الهندي المولود في أمريكا بمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل القريب وليس غريباً أيضاً أن الشباب الهنود الذكياء يديرون العالم.
يقول الرئيس الهندي السابق أبو بكر زين العابدين إن هدف التعليم هو خلق مجتمع مستنير وإن فكرته التربوية تدعو إلى إطلاق الإبداع عند الفرد، وإن على التربية أو التعليم إنتاج الفرص والأعمال، لا الباحثين عن عمل.
يبدو أن نظام التعليم الهندي مهتم كبثيراً لمواد الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية مما يؤدي إلى وجود أعداد كبيرة من خريجي الهندسة والعلوم ليس فقط في الهند فحسب بل في الولايات المتحدة أيضاً وبعضهم سجل براءات اختراع أثناء دراستهم.
كتب صاحب البرنامج الشهير في قناة (CNN) ورئيس تحرير مجلة (Time) الهندي الأصل فريد زكريا في كتابه «عالم ما بعد أمريكا» أن الهند احتلت على المرتبة الثانية في عدد فلاسفة الإدارة العظماء بعد أمريكا والعالم يستفيد من تجربتهم وأفكارهم.
في تقديري أن أهم أسباب نجاح الهنود في إدارة شركات التكنولوجيا الأمريكية هو إتقان اللغة الإنجليزية الذي يعود بشكل أساسي إلى المدارس الهندية التي تعلم الإنجليزية للطلاب في سن مبكرة واكتسابهم مهارات التواصل المطلوبة عند الانتقال إلى أمريكا مما ساعدهم على التميز والتفوق على الآخرين ومنحهم أفضلية، وهذا الأمر يدعو إلى التساؤل والتأمل. هل نحن العرب نستفيد من تجربة الهنود؟ وهل نستطيع أن نقدم شيئا للعالم في مجالين الصناعة والتكنولوجيا بغض النظر عن النفط؟ فقط أتساءل!