نورة مروعي ">
منذ فترة ونحن نسمع عن قضايا الداعشيات في مدارس البنات، ونقرأ عن انضمام فتيات لتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، ويصلنا الكثير من الأخبار ونسمع بعض الحوارات التي تفوح منها رائحة التطرف الديني، وإن كانت تطرح هذه الآراء بشيء من الحذر، إلا أنه لا يساورنا الشك بأنها إشارات لوجود فكر داعشي يتسلل لطالباتنا ومعلماتنا.
- هي قضية مهمة كانت تناقش بعيداً عن الأضواء وربما لم تأخذ حقها من العرض والنقاش ووضع الحلول، بحكم خصوصية المجتمعات النسائية وانغلاقها وصعوبة الوصول إليها، علماً بأنّ خطورة الفكر الداعشي على المرأة أكثر منه على الرجل، فالمرأة تغذي هذا الفكر للنشء وتربيه، بل وقد ترضعه لجيل بأكمله وتصدره للمجتمع قنبلة موقوتة توشك أن تنفجر في المحكات.
- ولعلِّي هنا لا أستطيع إلا أن أتحدث بإسهاب واستفاضة من خلال تجربة عشتها في مرحلة من مراحل حياتي كانت خطيرة جداً، وهي المرحلة التي كنا ننام ونستيقظ فيها على أصوات الأناشيد الحماسية والجهاديين المبشرين بالجنان والحور العين « خندقي قبري وقبري خندقي «، هذه الأناشيد تصاحبها خطابات دينيه مسيّسة موجهه تدعو للنفير لله وفي سبيل الله، مرحلة كانت فيها خطب ومحاضرات المكفرين تتردد وتعلو على منابر المساجد وتخترق عقول الطلاب والطالبات في إذاعات الصباح المدرسية، وكانت تغذي عقولنا بالعنف وعدم قبول الآخر بل وتهدر دمه.
«مرحلة من عمري لا أنساها شوّهت صورة المرأة والفتاة وجعلتها شيطاناً يوقع في الخطيئة وتدفع للرذيلة، فلا تخلو محاضرة للبنات من شاب عشق فتاة وفتاة وقعت في حب شاب، وكأن عقولنا أصبحت لا تفكر إلا في هذه القضايا التي صورت الفتاة بأنها شيطان والشاب ذئب يتربص بفريسته لينقض عليها … وجعلت النساء كقطيع من الشياه بحاجة لكلاب حراسة.
«مرحلة كان المتنطعون بالدين يراقبون أسطح منازل جيرانهم ويقاطعون من يرتكب جرم متابعة القنوات الفضائية، ويناصحونه بل ويستتيبونه ثلاثاً، ويحمّلونه تبعات ما يشاهده أفراد أسرته من منكر ورذيلة وخلاعة ومجون، ونصبوا أنفسهم وصاة وفرضوا حظر التجول حتى على أحلامنا.
«مرحلة وضعتنا بين يدي مدرس ومنهج يتحدث فيه عن بطولات الجهاديين ويصور الانتحاريين بأنهم شهداء، ومعلمات حرّمن كل ما حولنا حتى الحاسوب وصفوه بالشيطان ونافذة إبليس التي لابد أن تتجنبه الفتاة، وتحذر وتنصح صديقاتها من الوقوع في شره.
«مرحلة من حياتنا لم يربوا فيها قيم المراقبة الذاتية والثقة بالنفس، بل خلقوا نشئاً يشك في إمكانياته وقدرته في السيطرة على انفعالاته.
«مرحلة حشوا فيها عقولنا بمفاهيم مغلوطة عن الحياة الدنيا وكأنها بؤرة فساد وكأنهم لم يقرأوا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} صدق الله العظيم.
ـ غادرنا مدارسنا المتوسطة والثانوية وقد حملت فيها عقولنا الصغيرة ترسبات وتراكمات وأصواتاً تعلو حيناً وتخفت حيناً، عشنا فيها بصراع مع ذواتنا بين الحلال والحرام، اختلطت فيه لدينا المفاهيم بين حرام أنزل في كتاب الله ورهبانية لم يفرضها الله علينا.
ـ انتقلنا للسكن الجامعي فتلقّتنا أيدي من وصفن أنفسهن بالداعيات اللواتي حرصن على صيدهن من المستجدات وتلاقينهن بالأحضان والعبارات « أختي في الله ـ أخيتي في الله ـ الصحبة في الله «، مستغلات هذه العبارات الرنانة لاستمالة قلوب هشة تشعر بالغربة وبفقد الأهل ولديهن الاستعداد للانجراف خلف تيار استطاع أن يتوغل لعقولهن الصغيرة خلال مرحلتي المتوسطة والثانوية.
داعيات يجاهدن بالدعوة كما أوهمونا أو أقنعونا بمحاضرات عن الموت وأهوال يوم القيامة وعذاب القبر، مرغبات لنا في ترك الدنيا ونعيمها وملذاتها متنطعات بالدين. متناسيات أنه لا رهبانية في الإسلام، وكأن الدعوة إلى الله لا تكون إلا بالتخويف والترهيب فقط.
فهل أصف ذلك تنظيماً قائماً بحد ذاته حرص على تعهدنا ومتابعتنا من مرحلة لمرحلة؟.
أظن أن القضية بحاجة لمراجعه دقيقه وإعادة قراءة ما بين سطور مناهجنا والتدقيق، بل غربلة لكل ما أُدرج فيه، فما تحمله كتبنا ومقرراتنا وما وقفت عليه بنفسي يحتاج لضمير معلِّم ويقظة وزارة.