وسائل التواصل تطفح بالمعاندين المنتصرين لأنفسهم لا للحق.. وبالدعاء تُستقبل الشدائد والكُرَب ">
الجزيرة - واس:
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم المسلمين بتقوى الله - عز وجل -، والعمل على طاعته، واجتناب نواهيه. وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس في المسجد الحرام بمكة المكرمة: إن البشر كلهم خطّاؤون، وإن الكمال لله - جل شأنه -، والعصمة لأنبيائه ورسله - صلوات الله وسلامه عليهم -، غير أن الإصرار على الخطأ والتمادي فيه، وخَلْق المعاذير والمسوغات للبقاء عليه، وعدم الرجوع عنه إلى الحق.. لهو الخُلُق المشين، والخلة المنبوذة التي يلفظها ذوو الحجى والمروءات. وأضاف فضيلته بأن العناد طبع لئيم، لا ترونه في قلب امرئ ملأ الله قلبه إيمانًا وحكمة وعلمًا، ولكنه يتغلغل داخل القلوب المستكبرة والحاسدة والمستنكفة، قلوب لا تعترف بالخطأ، ولا يرضيها الحق، بل ترى في الرجوع إليه ذلة ومهانة وقصورًا. وعرّف الدكتور الشريم العناد بحالة من التعبير عن الرفض بالقيام بعمل ما، حتى لو كان واجباً، أو الانتهاء عن عمل، حتى لو كان محرمًا، والإصرار على ذلك دون تراجع. ومن هنا جاء معنى اللؤم في العناد؛ لأن فيه مخالفة للطبيعة البشرية السوية المُؤيدة بالشريعة السمحة. وأردف قائلاً: إننا نرى العناد ضاربًا بأطنابه في قلوب كثير من الناس، يرون في العناد نشوة وزهوًا، غايتهم الانتصار للنفس لا للحق، تطفح بأمثالهم وسائل التواصل المقروءة والمسموعة، ويهدمون بالعناد ولا يبنون، ويبعدون به ولا يقربون، ويفرقون ولا يجمعون.. إنكم لن تجدوا معاندًا يمكن أن يكون عامل بناء في مجتمعه ما دام العناد رائدًا، والاستكبار حاديه. مذكراً بقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا}، يعني عذابًا لا راحة فيه جزاء العناد الذي لا رجوع معه إلى الحق - أعاذنا الله من ذلك -.
وخلص فضيلته إلى أن العناد ينمو ويشتد عندما تقحم الإرادة نفسها؛ لتحل محل العقل والمنطق، ومن ثم تتقبل الشذوذ عن الحق، بل حتى الشذوذ عن الجماعة والسواد الأعظم.
وفي المدينة المنورة تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي الحذيفي في خطبة أمس عن فضل وآداب وآثار وشروط عبادة عظيمة، شرعها الله لعباده، وهي الدعاء. وقال فضيلته إن الله سبحانه وتعالى قد قدّر أسباب كل خير وسعادة في الدنيا والآخرة، وقدر أسباب كل شر في الدارين، فمن أخذ بأسباب الخير والفلاح ضمن الله تعالى له صلاح دنياه، وكان له الآخرة أحسن العاقبة، ومن عمل بأسباب الشر حصد جزاء عمله شرًّا في حياته وبعد مماته. وأضاف الشيخ الحذيفي بأن من أسباب الصلاح والإصلاح والفلاح وتتابع الخيرات وصرف النوازل والعقوبات ورفع المصائب الواقعة والكُرَب الدعاء بإخلاص وحضور قلب وإلحاح.. فالربُّ - جل وعلا - يحب الدعاء، ويأمر به قال تعالي {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ. إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}. وبيّن إمام وخطيب المسجد النبوي أن الدعاء محقِّق للمطالب كلها، الخاصة والعامة، الدينية والدنيوية، في الحياة وبعد الممات. مفيدًا بأن الله تعالى شرع الدعاء في العبادات المفروضة وجوبًا أو استحبابًا، رحمة منه سبحانه وتعالى وتكرمًا وتفضلاً؛ لنعمل بهذا السبب الذي علمنا الله تعالى إياه قال تعالى {وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ}.
وقال إمام وخطيب المسجد النبوي إن الحاجة للدعاء تشتد دائمًا، خاصة في هذه الأحوال العصيبة في هذا العصر مع كثرة الفتن وظهورها، وحلول الكوارث المدمرة، ونزول الكُرَب بالمسلمين، وظهور الفِرَق المبتدعة التي تفرِّق صف المسلمين، وتستحل الدماء والأموال المعصومة، وتسعى إلى الفوضى والتخريب والإفساد في الأرض، وتفتي بالجهل والضلال. ولقد أثنى الله تعالى على الذين يدعونه ويتضرعون إليه - عز وجل - إذا نزلت بهم الشدائد. قال تعالى {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أنفسنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
وأكد فضيلته أنه بالدعاء تُستقبل الشدائد والكُرَب. وقد ذم الذين يتركون الدعاء عند نزول العقوبات والكُرَب والفتن مستشهدًا فضيلته بقوله تعالى {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهم بِالْعَذَابِ فَمَا اِسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وما يتضرعون}. وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي الحذيفي أن الدعاء سبب عظيم لنزول الخيرات والبركات، ودفع الشر أو رفعه عن الداعي وعن المسلمين، وهو أقوى الأسباب للخروج من الشر الذي وقع، والمكروه الذي حل.. فكم من دعوة غيَّرت مجرى التاريخ من شر إلى خير، وحسن إلى أحسن.. قال تعالى {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً منهم يتلو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة ويزكيهم، إنك أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}. وأشار الشيخ الحذيفي إلى أن من شروط استجابة الدعاء أكل الحلال، ولبس الحلال، والتمسك بالسُّنة، والاستجابة لله تعالى بفعل أوامره واجتناب نواهيه، والإخلاص، وحضور القلب، والإلحاح على الله، وصدق الالتجاء إلى الرب تعالى. ومن شروطه أن لا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم، وأن يثني على الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، وأن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن لا يتعجل الإجابة بل يصبر ويدعو؛ فداوم الدعاء معه الإجابة. وقال الشيخ الحذيفي: إن على المسلم أن يتحرى أوقات إجابة الدعاء، كجوف الليل ودُبُر الصلوات المكتوبات وبين الأذان والإقامة ووقت السجود وعند رؤية الكعبة وعند نزول المطر وبعد ختم القرآن وبعد الصدقة.