تنشأ عائلةً موهومة قوامها دفاتر قديمة ودمية لدبٍ يتخفى في زي أرنب، تركته لك طفلة لا تعرف بعد كيف تتهجأ اسمك الكثير النقاط و»الأسنان» - رغم أنه لا يجيد العض- قررت عبور البحر بحثًا عن حلم جديد ترسمه أصابعها الصغيرة التي تحوك الحكايات وتغير «حبكتها» كما تشاء،
وتسعى نحو وطن جديد توقن أنك لن تتمكن من بلوغ أي منهما! تمارس أمومتك المبتورة- مستلمهًا الدب المتنكر بجلد الأرنب- مع الجمادات التي تشغل نصف غرفتك، وتحصي كل يوم ملاعق مسحوق القهوة التي تذيبها في الماء المغلي بالغلاية العجيبة التي ليس فيها زر للإطفاء، وتظل تعمل حد الإنهاك وإلى أن يصبح ماؤها بخارًا يتصاعد على نحو غريب، وتبدأ بإصدار صوت يشبه حمحمة فرس عنترة، وفي صدرك أنت، الذي يشبه ثياب دوق فليد في جريندايزر، شيء ما ينتفخ حقيقة مثل بالون، وفي أذنك هواء ساخن كأنك قد تناولت قرنًا من الفلفل الحار، وفي عينك التي تزداد احمرارًا، أحد ما يبريك على مهل دون أن يعرف!
هل هذا هو الاستنزاف؟!! لستَ تعني الحرب طبعًا، أنت آخر من يمكنه أن يتحدث عنها لأسباب كثيرة، لأنك لست قادرًا على المراوغة، ولست عنيفًا بما يكفي لنزع لصقة طبية من جلدك المبيضّ تحتها، كنت دومًا تميل إلى السلم كأبيك، ولأنك اكتفيت منها بعد أن شردتك لسنوات! هل هذه أسباب كافية؟! قد لا تكون كذلك، لكن كل شيء حولك يدعو للاستنزاف، وقت مهدور في الاستماع إلى شكاوى مكرورة تعرفها منذ ثماني سنوات ولم تتغير، نوم قلق يقطعه رنين جرس ملح أو نغمات التنبيه بوصول رسائل جديدة -ليس فيها جديد حتمًا- صفحات تملأ ولا تعرف مصيرها، مثلما لا تعرف مصيرك أنت أيضًا!
من البعيد، يصلك مغلف يغص بكومة من الماضي ملفوفة بشريط لاصقٍ أسود لم يحمها من العبث. هل كان الأمر سيختلف كثيرًا لو كان لون الشريط أحمر؟ لماذا يجب أن يكون الطرد ممهورًا بختم شمعي أحمر كي يحظى ببعض الهيبة؟ حسنٌ، لا تبدأ ثرثرتك الآن عن الأحمر، المهم أن ذاك ماضٍ لم يعد موجودًا لأنه ماضٍ ببساطة، وببساطة أكثر توقن أنه لن يكون حاضرًا ولا مستقبلًا لا بهذا الشكل ولا بشكل آخر، «هل تغيرتَ كثيرًا؟ ما تغيرت كثيرًا»! رغم كل السواد الذي تحيط به نفسك- في ثيابك التي لم تغيرها منذ أشهر وفي القلم الذي تصر على الكتابة به وفي الظل الذي تحلم به وترسمه باستمرار- وكلما ظننتَ أن الأيام تأخذك بعيدًا، عثرتَ بسذاجتك ونواياك الناصعة كقلب أمك، على «مكانك الآمن للحب»، تتكئ فيه على مخزونك من سنوات الضياع التي يقودك فيها «المعري» الأعمى إلى المجهول، فتمضي خلفه واثقًا مطمئنًا باحثًا عن النور الذي يتحدثون عنه في آخر النفق!
ستصل «يومًا ما»!
- بثينة الإبراهيم