أنا من أولئك الذين كلما مشوا
ابتعدت أحلامهم أكثر،
علي اي حال ،
أنا من أولئك الذين
لا يدفنون الأمل
- أمبرتو أكابال
يتناقل البعض تلك الحكاية العجيبة والموجعة عن ذلك المنحوس الذي انغرس في رجله مسمار حاد وتعذر عليه خلعه إلا عند الطبيب.
ولأنه لم يكن يمتلك أجرة انتزاعه من القدم (رغم الوجع) فقد طلب من الطبيب أن يثنيه قليلا كي يتمكن من المشي وحتى يفرجها الله وينصلح الحال ويمتلك ما يستطيع به نزع هذا المسمار من قدمه.
وانا الآن ذلك الشخص المفلس من العون وفي قدمي أشواكا ومسامير وشظايا زجاج كُسّرت في طريقي عن عمد، ولأنه لا خيارات لي فقد رضيت بقبول كل هذا الحطام والشوك المغروس في قدمي وحاولت ثني المسامير أو عطفها قليلا كي اتمكن من المضي في طريق الحياة وحتى يفرجها الله، لكن تلك المحاولات لم تنجح حتى الآن وما زلت أمضي في الحياة بأقدام مبللة بالدماء.
نحن نخطيء كثيرا عندما نظن أن العالم يرى العالم كما نراه نحن ويرى ذات الألوان والأزهار وقوس قزح، ويلمس مثلنا شعر الأطفال بذات الأصابع الحانية او هذا ما نظن ولم يقول لنا او تقول لنا الحياة إن هناك من قد لا يرى في عيون الأطفال أكثر من حبات قلائد بسعر البيع وأن كل فضاءات العصافير هي مساحة الأقفاص التي تحبس بها او ربما أطباق موائد الشواء، وأنه باختلاف تلك الرؤيا تقوم حروب وتولد قصائد رثاء وتسافر توابيت عامرة بالجثث وفي نهاية اليوم كلنا سيدعي أنه السيد الإنسان.
ولأني عرفت وأعرف ذلك جيدا فلن أجادل كثيرا ولن اطرق باب الطبيب مرة اخرى ولن أثني أي من المسامير المغروسة في القدم لأمضي.. وسأمضي بذات القدم بذات الشوك وبذات المسامير المعقوفة ولكني ربما أغير الطريق هذه المرة وهناك مسارات أخرى لم تحتف بأقدامنا بعد وافق بعيد ينتظر منا الوصول وهناك ما نخافه دون أن نجرب.
لكني سأتطهر كثيرا هذه المرة والقلب سيتخفف من كل شيء فقد تألم وتعلم وأدرك وعبر اكثر الطرقات وجعا أن ما خط على الجبين حتما ستراه العين.
وهذه المرة سأهب الدفاتر قصائد بقواف مختلفة والأقلام حبرا لا يعرف كيف يكتب مفردة الغفران البليدة.. الغفران الساذج خيانة لحصانة الروح.
وسأظل أرسم الشجر ليكون أخضرا وأمنح الفراشات دفاتر ومواعيد مع الأزهار وسأمنح الهدايا ذاكرة للنسيان وما من وجع أشد من ذكرى هدايا الأيام السعيدة.
وسأحترس وإذا ما سقطت مرة أخرى فلن أمنح الأغنيات شماتة التجوال بأوجاعي بين المدن وسأبقي الحنين على الحياد هذه المرة وسأترك المسامير تسافر في القدم فالقدم التي تخون وجع التعلم تستحق.
- عمرو العامري