يقول سلافوي جيجك: «السينما هي الفنّ المُنحَرِف المُطلَق؛ إنّها لا تُعطيكَ ما تَرغَب به، لكنّها تُملي عليكَ كيفَ تَرغَب». هذه خمس قواعد ذهبية عن كيفية صناعة الفيلم السينمائي الجيّد؟ قام بتدوينها رائد السينما المستقلة المخرج المؤلف جيم جارموش:
القاعدة الأولى: لا توجد قواعد. حين يتعلق الأمر بصناعة الفيلم لا توجد مبادئ ثابتة وخطوات محددة لأن هنالك العديد من الطرق المختلفة التي من خلالها يبني المخرجون المبدعون الثقة بأنفسهم حتى يحققوا أهدافهم. الفيلم ليس جنساً فنياً ثابتاً وإنما شكل فني مفتوح دائماً. وعلى المستوى الشخصي؛ ليس من طبعي أن أمُلي على البشر ما يفعلون، وكيف يفعلون ما يريدون، ولن أقوم أبداً بفرض الوصاية على أحد. حتى أنني أنفر من أولئك الذين يختارون لك أفكارك ودينك وطريق نجاتك، هم في الواقع يقومون بدفعك للضفة الأخرى بعيداً عن الاستقلالية الذاتية. القيام بتدوين «قواعد ذهبية» لأي شأن يتعارض مع فلسفتي الشخصية. إذن؛ تجاهل مفردة «القواعد» التي ستقرأها الآن في بداية كل نص، وبالمقابل أعدّ ما كتُب هنا مجرد «ملاحظات» خاصة أكتبها لنفسي. بناءً على المبدأ الذي يقول إذا أراد أي شخص أن ينجز أي عمل فيجب عليه أن يقوم بوضع عدد من الملاحظات التي ستساعده على عبور الطريق دون توقف. وإذا قال لك أحدهم «هنالك طريقة واحدة للوصول وهي باتباع طريقتي أنا وحدي» فاهرب بجلدك وبعقلك وبجسدك بعيداً جداً عنه.
القاعدة الثانية: لا تدع الأوغاد يمتلكونك؛ خياراتهم إما مساعدتك أو عدم مساعدتك ولكن لا يستطيعون إيقافك عن تحقيق طموحاتك. إنَّ الأشخاص الذين يقومون بتمويل الأفلام، وتوزيع الأفلام، والترويج الدعائي للأفلام، وعرض الأفلام، ليسوا صناع أفلام. في كل الأحوال هؤلاء لن يترَكُوا لصانع الفيلم حرية السيطرة على أعمالهم في التمويل، وفي النشر، وفي التوزيع، وفي العرض، بالتالي لا تجعلهم يسيطرون على القالب الفني الذي تختاره أنت وتريد من خلاله إنجاز فيلمك. إذا تطلب الأمر احمل معك سلاحاً مسدساً فقط لأجل الشعور بالأمان.
أيضاً، تَجنب السيكوباثيين قدر المستطاع. هنالك العديد من الأشخاص الذي يدخلون هذا المجال لأجل إشباع رغباتهم المالية والجنسية مع الطمع في الأضواء والشهرة. بالمُجمل هم لا يفقهون شيئاً حول الفن والتذوق السينمائي، ومعرفتهم بكيفية إنجاز الفيلم السينمائي كمعرفة الرئيس جورج دبليو بوش في فنون القتال اليدوية وفنون مبارزة السيوف.
القاعدة الثالثة: الهدف من مرحلة الإنتاج (يعني مرحلة التصوير ومرحلة ما بعد التصوير) هو خدمة الفيلم وليس العكس أي ليس الهدف من الفيلم خدمة الإنتاج. للأسف؛ عالم صناعة الأفلام هو عالم عكسي فيجب النظر لكثير من الأمور نظرة عكسية لتتضح لك الأهداف الرئيسية والأولويات. ليس الهدف من الفيلم خدمة الميزانية المالية، وخدمة جداول التصوير، وخدمة السير الذاتية التي ستكتب عن جميع أفراد الكادر. إن كان صانع الفيلم لا يستطيع فهم هذه الملاحظة فيجب إذا رفع قدميه وربطها بوتدٍ عال لينظر إلى السماء وهو معلق بالمقلوب.
القاعدة الرابعة: صناعة الفيلم عمل جماعي مشترك وليس عملا فرديا. ستعمل مع عقول أخرى غير عقلك وبعضهم ربما يقترح عليك فكرة قوية؛ اجعل نفسك مفتوحة على التغيير والتعديل والتطوير والإضافة. اخُلق ساحة مفتوحة للإبداع ولكن بحدود. وتذكر جيداً أن لكل فرد وظيفة خاصة وعملا محددا لا يستطيع أي شخص آخر القيام به، وإلا ستعم الفوضى. يجب عليك القيام بالمساواة واحترام جميع أفراد الطاقم دون تمييّز، والاقتناع المطلق بأهمية الجميع. مثلاً مساعد الإنتاج الذي يقوم بالتأكد من خلو الشارع قبل البدء في التصوير ويتأكد من نظافة المكان لا يقل أهمية عن الممثل الموجود أمام الكاميرا، ومدير التصوير لا يقل أهمية عن مدير مواقع التصوير أو حتى لا يقل أهمية عن المخرج. مهزلة التسلسل الهرمي الوظيفي (أي تفضيل أفراد طاقم العمل على حسب مهنهم) لأصحاب النفوس الضعيفة وللذين يعانون الغرور نتيجة تضخم الأنا لوصولها لدرجة يصعب السيطرة عليها. التسلسل الهرمي الوظيفي ينفع فقط في الجيش وأنظمة العمل العسكري. إذا أحسنت التعاون مع أفراد الكادر الذين اخترتهم لإتمام الفيلم سيُحسن ذلك من جودة الفيلم، وسيقفز بمستوى الفيلم للأفضل ولنتيجة أروع بكثير من التي كنت تتصورها قبل الشروع في العمل على صناعة الفيلم. أما إن كنت لا ترغب في التعاون مع أفراد طاقم العمل فمن الأفضل أن تبحث عن عمل فردي تقوم به، قم برسم لوحة فنية، أو قم بتأليف كتاب. أما إذا أردت أن تكون ديكتاتورا أحمق فابتعد عن السينما والفن، واتجه للسياسة خصوصاً أن المجال السياسي مفتوح للجميع هذه الأيام.
القاعدة الخامسة: لا يوجد شيء مُبتكر من العدم؛ كل عمل فني هو نتيجة لتطورات عديدة من أعمال سبقته، لذلك يجب أن تسرق من أي شيء يلهمك ويحفز خيالاتك. افترس الأفلام القديمة، وافترس الأفلام الجديدة، وافترس الموسيقى، والتهم الكتب، والتهم اللوحات الفنية، والصور، والأشعار، والأحلام، والأحاديث العفوية، والتحف المعمارية، والجسور، ولافتات الشوارع، والأشجار، والغيوم والبحيرات، والنور والظل. اختر منها فقط الأشياء التي تتخاطب مع روحك مباشرةً. وإذا فعلت هذا، ستكون أعمالك - سرقاتك - أصيلة فعلاً. الأصالة لا تقدر بثمن، بينما الابتكار الجديد ليس موجود في الفن. ولذلك يجب عليك ألا تزعج نفسك بإخفاء آثار سرقتك بل يجب أن تحتفل بها إذا شعرت بحاجة لذلك. وفي كل الأحوال تذكر دائماً هذا الاقتباس من المخرج الفرنسي جان لوك غودار : «لا يهم من أين تأتي بالأشياء، المهم هو إلى أين تأخذهم.»
* أبرز أفلام جيم جارموش: فيلم «يسقط بالقانون»، وفيلم «قطار الغموض»، وفيلم «الليل في الأرض»، وفيلم «الرجل الميت»، وفيلم «زهور ممزقة»، وفيلم «حدود السيطرة»، وفيلم «العشاق وحدهم تركوا أحياء». وله فيلم جديد سينزل هذا الصيف ولكن اسمه مجهول حتى هذه اللحظة.
- حسن سعود الحجيلي